بقلم : نزار القريشي

لا يعرف ما يحدث له، فقد كان لا يختار الأشياء بنفسه. الآخرون يصنعون ألمه، وهو يعدمه، ويريد أن يكون مثلما فهم “بوذا” وقال:” أنا ما أفكر فيه “. يشعر بأحاسيس قد تلاشت أو بالأحرى فقد العالم إنسيته. كان هو “زهرة” اثنان متحابان يجمع بينهما التناص. مافتئ أن علم أنها غادرت مدينتهما في اتجاه غرناطة، ولم تخبره بوصلته أين تخبأ محطتها الأخيرة. خاب حدسه، إحساسه متيم بهيام مفقود، تسترد أنفاسه عبق عطرها، ومخيلته تقاسيم وجهها، ونظرته سحر غنجها.فقد كانت فاتنته لأنها ليست ككل النساء، ولأنها منحته حبا لم تذكره قصص العشق أو كتب التاريخ. كانت أيضا تحدد له خصائص الرغبة عنده في المرأة. بل هي رائعة ، وهو كان منصهرا فيها. استمر في استعادة ورسم صور مرتبطة بعوالم لطالما أبهرته برفقتها.تخالجه رغبة في استعادة الماضي القريب، محاولا الدخول في الزمن، وكأنه يريد تطويع الذكرى وما ينبغي أن يستعاد في الذاكرة.كأشراقة قد غلت في الهجر. وفي عمق تأملاته اكتشف أن الزمن يستطيع أن يمحو الذكرى في التلاشي، لكنه لا يستطيع إغراق الذاكرة في النسيان. يحاول جاهدا تفكيك شفرات زمانهما، عبر أزمنة كانت بالنسبة له ميسما نحو أمكنة يمتح منها حلاوة المعيش اليومي، ويرحق من “زهرة” عسل جنته الشهي.ظل يتذكرها باستمرار.أخذ ورقة وقلم. ثم خمن، فكتب :
وأنت بعيدة. حيث يفصل بيننا بعد المدائن و الأوطان، كنت بداخلي، وكنت أنا الغريب في الزمان والمكان، وكان علي أن أحترق لأضئ فراقنا بنور من شموس أخريات . كي لاينطفأ كلانا في الآخر. ويظل مدارك في الكون يدور حولي.