كتب/ محمد السيد ابراهيم

(زنوبيا) هي ملكة تدمر ، قادت مع زوجها (أذينة) عصيانًا على الإمبراطورية الرومانية ، تمكنا خلاله من السيطرة على معظم سوريا ، وهذه المرأة المشهورة بجمالها و إقدامها وذكائها كانت جديرة بأن تكون قرينة أذينة “Odainatti” الذي كان يحمل لقب “رئيس المشرق” “Dux Orientis”، وقد اشتركت معه بالفعل في سياسة مُلكِهِ أثناء حياته، و لم تَخلُفْهُ في منصبه فقط بعد وفاته (سنة 266-267 ميلاديًّا) بل إنها عقدت العزم على بسط سلطانها على الدولة الرومانية الشرقية ، فقادت جيوش مملكة تدمر في غزوها لمصر وآسيا الصغرى لفترة وجيزة ، اسم (زنوبيا) الحقيقي : “بت زباي”، واسمها الأول أطلقه الرومان ويعني قوة المشتري ، وكانت أمها ترجع بصلة ِنسب إلى (كليوباترا) في مصر، ولدت (زنوبيا) في تدمر ، وتأدبت في الإسكندرية ، فدرست تاريخ الإغريق والرومان ، وتَخَلَّقَت بأخلاق (كليوباترا) وبطموحها، وكانت امرأة هاجسها المجد والسلطان ، وكانت (زنوبيا) تُعِدُّ أولادها (وهب اللات وتيم الله وحيران) لاعتلاء العرش، وذلك بتعليمهم لغة روما وآدابها وتاريخها ، واتخذت مظاهر القياصرة ، فكانت تركب مركبة ملكية تضاهي مركبة القياصرة ، رصعتها بالذهب والفضة والأحجار الكريمة ، ومما يُرْوَى عن (الزَّبَّاء) مناقشاتها مع كبير الأساقفة Paul of Samosata في المسائل الدينية ، ومدينة (تدمر) مقر مُلكِ (الزَّبَّاء) تقع على مسافة 150 ميلاً إلى الشمال الشرقي من (دمشق) ، و كانت الحروب الفارسية “Parthian” سببًا في ظهورها بين ممتلكات (روما) و اعتلائها ذلك المركز الممتاز فيها ، كانت الأُسرة الساسانية في ذلك الوقت في ذروة بأسها وعظمتها واتجهت مطامعها إلى الممتلكات الرومانية ، فلم يكن للتدمريين بُدٌّ من أن يختاروا بين (الفرس) و (روما) ، فانحازوا إلى الإمبراطورية الرومانية ، كان قيصر روما قد اعترف بوهب (اللات) مُلكًا و(بزنوبيا) وصية عليه ، فقامت أولاً بتوطيد حكمها في تدمر والبادية ، وبإقامة الثغور ، مثل حلبية وزلبية ، وما زالت آثار الثغرين قائمة حتى اليوم على ضفتي الفرات، وتمت لها السيادة على آسيا الصغرى ومصر ، ونستطيع رسم صورتها من خلال نقش على خوذة معدنية كانت ترتديها ، ويصفها مؤرخو الرومان بأنها كانت في ذروة الجمال سمراء سوداء العينين أسنانها كاللآلئ صوتها رنان ، وكانت تساير الجنود وتركب العربة الحربية أو الجواد كأحسن الفرسان ، لقد كانت أنبل النساء وأكثرهن جمالاً، بل كان جمالها يضاهي جمال (كليوباترا) ، وذكر (هومو) أحد المؤرخين في عصر (أورليان) أن الإمبراطور عندما جُرح في حربه مع (زنوبيا) قال: “إن الشعب الروماني يتحدث بسخرية عن حرب أشنها ضد امرأة ، ولكنه لا يعرف مدى قوة شخصية هذه المرأة ومدى بسالتها” .. وتنتهي قصة هذه الملكة الأسطورة على يد الإمبراطور (أورليان) ، حيث عرض (أورليانوس) عليها التسليم ، وخروجها سالمة من المدينة ، لكنها رفضت ووضعت خطة وحاولت إعادة الالتفاف على جيش (أورليانس) فتحصنت بالقرب من نهر الفرات إلا أنها وبعد معاركَ ضاريةٍ وقعت في الأسر ، فأحسن (أورليانوس) معاملتها ، وكان ذلك عام 272م ، ثم اصطحبها معه إلى روما ولم يقتلها ، بل قتل بعض كبار قادتها ومستشاريها بعد محاكمة أجريت لهم في مدينة (حمص) ، وقد دخلت (الزَّبَّاء) مدينة (روما) في موكب الإمبراطور الظافر ، وقضت أيامها الأخيرة في (تيبور Tibur) حيث عاشت هي وابنها عيشة سيدة رومانية ، ولم تمضِ أشهرٌ قلائلُ حتى ثارت (تدمر) ثانية فعاد إليها (أورليان) على غير انتظار ، ودمَّرها ولم يُبقِ على أهلها هذه المرة ، توفيت (زنوبيا) في روما سنة 274 م في ظروف غامضة .
وكم استوقفني موتها في ظروفٍ غامضة ، فمن يقرأ شخصية الملكة (زنوبيا) يجد أنها شخصية قوية ، عنيدة ، لا تُسلم ، لذا كان أكبر الظن عندي أنها انتحرت ، وهذا ليس بجديد على مثل هذه الشخصيات ، وإن كانت على صلة قرابة مع الملكة (كليوباترا) ، فما المانع أن تتَّبع خطواتِها الأخيرةَ في إنهاء حياتها ؟! .. هناك في اليابان يوجد الموت على طريقة (هارا كيري) وتُعرف أيضًا بالسيبوكو ، وكانت هذه الميتةُ معروفةً عند الساموراي ؛ لتفادي الوقوع في أيدي العدو ، أو لمسح عار الهزيمة .

كتابة / محمد السيد إبراهيم