بقلم : أحمد القماش

من قرأ التاريخ يعرف أن أحداث الثالث والعشرين من يوليو لعام 1952 لم تكن في بادئ الأمر ثورة بالمعنى المفهوم، بل بدأت الأمور بقيام مجموعة من ضباط الجيش المصري بقياده البكباشي/ جمال عبد الناصر بإنشاء تنظيم سري أطلقوا عليه (تنظيم الضباط الأحرار)، وأهدافه: جلاء الاستعمار البريطاني والقضاء على الفساد، وتتطور الأحداث ويقوم الضباط الأحرار بعمل انقلاب عسكري ويحظى بتأييد المصريين، ويتحول إلى ثورة شعبية خلدها التاريخ. ولأن عبد الناصر كان بطبيعته شخصيه قيادية ومحبة للزعامة، استطاع أن يحصل على شرعية إدارة الثورة، ويرفض المساومة أو عقد صفقات باسم الثورة، رفض مساومة بريطانيا وطالب بالجلاء الكامل، والذي كان من مبادئ وأهداف ثورة يوليو، لم يجر اتصالات مع البيت الأبيض لمساعدته في الوصول إلى الحكم والسلطة، ولم يعقد صفقة خروج آمن مع الملك فاروق، بل تم طرده من مصر بعد أن تنازل عن عرشه وترك جميع ممتلكاته. وبدهائه السياسي وخطبه الرنانة، نجح ناصر في أن يجعل الملايين من طبقات الشعب الكادحه التي عانت من الفقر والجهل والفساد تؤمن به كقائد ثوري وتؤمن بفكره الاشتراكي، وتلتف حوله ليستمد منهم شرعيته في الحكم، ويأتي قانون الإصلاح الزراعي ويتم توزيع الأراضي الزراعية علي الفلاحين الأجراء، ويكون الفلاح المعدم هو أول من يحصد ثمار الثورة. بالطبع لم يكن مسار الثوره ممهداً، بل كانت تحاك المؤمرات من الداخل والخارج معاً، ويتم وضع العراقيل في كل خطوة ومسار من أجل قتل ثورة ما زالت في مهدها، ويزداد الأمر سوءاً بالصراعات بين حكام مصر الجدد “مجلس قيادة الثورة”، ويشهد المجلس انقسامات وصراعات داخلية، وشعر عبد الناصر بالأخطار التي تهدد الثورة، ويظهر وجه آخر لعبد الناصر لم يكن رأه أحد من قبل، وهو ناصر الديكتاتور ، الذي يقيل اللواء محمد نجيب من جميع مهامه، ويحدد إقامته، ويرفض تسليم السلطة للمدنيين لينفرد بالسلطة كلها وحده. وربما كانت أسباب رفضه طمعاً في السلطة كما ردد البعض ولربما لم ير ناصر أحزاباً وجماعات سياسية قوية ومتماسكة يمكنها أن تدير شؤون البلاد، وربما خاف ناصر أيضاً من طامعي السلطة، أصحاب الأجندات والمصالح الخاصة، وربما رفض ناصر تسليم السلطة لكل هذه الأسباب مجتمعة. وتأتي حادثة 28 أكتوبر 1954 بميدان المنشية الشهير بالإسكندرية، فبينما كان ناصر يلقي بخطابه الشعبي تأتيه رصاصات طائشه من قلب الجماهير وينجو منها. ويتهم البعض جمال عبد الناصر بأن حادث المنشية لم يكن سوى مسرحية من تأليف وإخراج ناصر نفسه. وبما أننا كشعوب لا نعرف من الحقائق التاريخية إلا ما يسمحون لنا بمعرفته، ستظل حقيقة هذا الحادث لغزا تاريخيا ولا يستطيع أحد أن يؤكد حقيقة ما حدث. لكن في كل الأحوال، لم يكن سيختلف رد فعل عبد الناصر، وكان لا بد من ظهور الديكتاتور الناصري واستغلال فرصة هذا الحادث والطرق علي الحديد وهو ساخن لكي يتخلص من الجميع، ما تبقي من فلول وأذناب النظام السابق وطامعي السلطة، بل والتخلص أيضا من كل من يخالفه ويعارضه الرأي. وتعود الثورة لمسارها الصحيح الذي رسمه لها ناصر، ويطبق مفهومه ورؤيته الاشتراكيه بمنتهى

الديكتاتوريه، ويصبح ناصر رئيساً لمصر وتعيش مصر فتره من أهم فتراتها في التاريخ الحديث، ويصبح ناصر روح الأمه العربيه والديكتاتورالذي عشقه الملايين. وقبل أن نحكم على ناصر وسياساته الديكتاتورية لا بد لنا أن نقف ونتسائل، هل كان من الممكن إنجاح ثورة 23 يوليو لولا ديكتاتورية جمال عبد الناصر ؟ وهل كنا سنشهد فترة تاريخية مصرية رائدة وثورة في كل المجالات بالرغم من الأخطاء السياسية التاريخية الواضحة؟ هل كنا سنشهد كل هذا لولا ديكتاتورية جمال عبد الناصر؟ تلك هي ثورة 23 يوليو، وهذا كان قائدها جمال عبد الناصر. القائد الذي لم تحظَ به ثورة 25 يناير 2011 حتى الآن، لذلك رأينا الانقسامات والاختلافات بين أبناء الثورة الواحدة، سرنا في مسار ثوري خاطئ لأننا لم نمتلك قيادة ثورية ديكتاتورية قوية وحازمة تستطيع إعادة الثورة كلما انحرفت إلى المسار الصحيح، قيادة ثورية تستطيع أن تفرض أوامرها دون نقاش، وتزيح كل من يعترض طريقها. لكن ثورتنا قادها من قامت عليهم الثورة، فعندما قادوها استطاعوا تعجيزها وأصابوها في مقتل، وهم الآن سلموها لمن ذبحها بلا رحمه. علي مدار عامين تقريبا بحثنا عن قائد من الثورة بلا جدوى، وحصلنا علي أكثر من قائد، وجميعهم أرادوا أن يقودوا الثورة في عالم افتراضي ومن وراء الشاشات، ولذلك أصبحوا قادة لا تملك ولا تحكم، هل ما زلنا في انتظار قائد يأتي بثورة جديدة أم سيستكمل الثورة التي فشلت؟ أم هي مجرد أحلام ليس إلا ؟