على مختار القطان باحث كبير لا يعرفه الكثيرين فى أرجاء هذا الوطن، إلا أنه بصفاء روحه استطاع أن يترك أثرا طيبا في نفوس من تعامل معه يومًا .. رحل القطان في صمت كما يرحل الطيبون، إلا أن الدكتورة حورية مصطفى – أستاذ الأنثروبولوجيا بمعهد البحوث الأفريقية جامعة القاهرة قد نعت القطان على صفحتها الشخصية بالفيسبوك في عبارات يحدوها المرارة على رحيل شخص نبيل.

تقول حورية مصطفى: تلقيت خبر وفاته أمس وكان قد توفي يوم الاثنين الموافق 17 سبتمبر 2018.. وكنت قد التقيته في مكتبي بالجامعة يوم الأحد 16 سبتمبر جاء مبشرا بإنهاء رسالة الدكتوراة وتسليمها للمناقشين استعدادا للمناقشة ونشر بحثين من الرسالة.. ولكن هذا اليوم انشغلت عنه بمهام وتركته مع الزملاء ولم ارى وجهه ثم فوجئت بوفاته وكانت صدمة وانا لله وانا اليه راجعون.

من هو على القطان؟ يمكنك أن تكتب على النت الشيخ علي القطان وستعرف من هو؟
لكن ما أردت أن انقله اليوم ليس انه الرجل الذي قال لمبارك اتق الله وسجن خمسة عشر عاما
إنما أردت أن انقل عن باحث مجتهد قلما يجود به الزمان مدقق ومحقق في المعلومة لدرجة بعيدة قارئ ومطلع وموسوعي ومن دقته انه اخذ عينة من طين مسجد تنبكت في مالي وعرضها على مختبر لتحليلها في مصر لإبراز التشابه بينها وبين مادة بناء الواحات بمصر وقد خرج نتيجة رائعة عرضها برسالته

كان حييا متمسك بالحق لدرجة بعيدة يرفض أن يغير مظهره الإسلامي فقد كان حريصا على اللحية والجلباب نظيف عطرا تفوح منه رائحة المسك دوما يعطي نموذجا للمسلم الحق.. حريصا على الصلاة في وقتها يقطر منه ماء الوضوء دوما لا يفرط في الصلاة مهما حصل
كان معتز بذاته لا يقبل الإهانة ولا يقف عند الأبواب.. عزيزا شديد الأدب والحياء
كان قد قارب على السبعين ويمتلك حيوية شاب في الثلاثين كنت أتعجب سبحان الله لخفة حركته ونشاطه في البحث رغم كبر سنه وكان مصدرا للطاقة الإيجابية ونحن من يعدونا شبابا كسالي متراخين

وكنت أتساءل ما سر هذا اهو الإيمان اهي الصلاة اهو الوضوء من يجعل المسلم هكذا فتيا وهو في السبعين سبحان الله، لم يكن مسلما مغلقا بل كان منفتح على الثقافات والعلوم كان يجيد الفرنسية واستخدمها في بحثه في مالي سافر لأكثر من خمسين دولة أوربية وأفريقية خبر ثقافاتهم وعمل ونقل نموذج المسلم المتعلم الفاهم الواعي المحافظ على مظهره وخلقه الإسلامي وكان شديد الاعتزاز بالدين عن فهم وعلم ودراية من خلال مقارنته الواقعية بغيره من الثقافات والأديان.. ذهب إلى فرنسا وحصل على شهادة من كوليج دو فرانس والي السويد ولندن ومعظم الدول الأفريقية والسعودية وكان يود أن يعود إلى المدينة المنورة لكنه كان قد حرم الدخول بعد حادثته مع الرئيس السابق حسني مبارك

هذا الرجل الذي ينطبق عليه المثل اللي ما يعرفك يجهلك..

أنهى رسالة الدكتوراه وسلمها للممتحنين في انتظار المناقشة ولكن واتته المنية قبل أن يفعل.. رسالة من أفضل ما كتب تستحق أن تدرس..

تركت ياشيخ على علم ينتفع به.. لم تترك ولد صالح يدعو لك فقد كنت وحيدا يؤنسك الله ثم العلم، كنت مثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات أحدكم وفي يده أحدكم فسيلة فليغرسها

مت بشرف.. مت وانت مجتهد في عمل ابتغيت به وجه الله، وكان موتك عظة مثلما كانت حياتك، ومن العظة الا نيأس.. ان نعمل… ونموت ونحن نعمل لا يهم أن يكتمل العمل لكن ان نعمل وننذر العمل لوجه الله تعالى.. فلا تقول اهي اخرتها موت ليه اشتغل… ليس هذا هو المقصد لكن اعمل واجتهد حتى لو انك ستموت اللحظة القادمة.. اشتغل واجتهد حتى لو كنت قاربت السبعين ولم يعد في العمر بقية

قدمت ياشيخ على رسالة الإسلام على أكمل وجه.. قدمت نموذج المسلم السليم البدن والعقل والأخلاق والفهم والادراك المتمسك بالحق الفاهم العارف الواعي الحيي شديد الأدب لفظا وفعلا
إلى جنة الخلد سقاك الله شربة هنيئة مريئة من يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونفعنا الله بعلمك الذي خلفت وبسيرتك التي تركت وتقبل منك اهداء الرسالة لأول مسجد أسس على التقوى مسجد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم