10850325_848951371822669_6371173117392242943_nمعبد-ابو-سمبل

        الأديب  خالد السروجى

 

الاسطورة ومدي التباسها بالدين(1)
خالد السروجي
مدخل أول: المشكلة

تناولنا في موسوعتنا( علم التاريخ والتاريخ الديني) دراسة بعنوان (علم التاريخ والسحر ) , الي تعريف الدين وتعريف السحر, وعرض للأشكالية الاساسية, ومحاولة فتح الباب الموصد بين التاريخ كعلم يعترف بالمدونات القديمة , والادلة الاثرية ,ممافيه هذه الشروط , فيصبح داخلا في علم التاريخ , بينما يخرج ما عداه مما لا تتوافر فيه شروط علم التاريخ , ومثال ذلك التاريخ الديني . وفي سبيل حل الاشكالات المشار اليها و أنكار والاخبار وليست تاريخا بالمعني العلمي , ويشمل ذلك الأنبياء جميعابأعتبارهم من صنع المخيلة البشرية , وقد تشكك “وول ديورونت ” في وجود , المسيح كشخصية تاريخية وتسائل :هل وجدالمسيح حقا ؟أم ان عذابات البشر البشر وأحباطاتهم هو الذي خلق شخصية المسيح المخلص. وهو انكار للوجود الحقيقي للمسيح , ونسبه الي عالم الأسطورة.وماقيل عن المسيح قيل عن باقي الأنبياء والشخصيات الدينية.لإحتسب الدكتور سيد القمني في كتابه ” النبي موسي وآخر أيام تل العمارنة ” البطاركة آباء الشعب ألاسرائيلي ,وهم أنبياء بحسب التاريخ والمعتقد الديني , هم في حقيقتهم آلهة عبدها اليهود في مرحلة من مراحل تطورهم , ثم في مرحلة أخري تحولوا الي آباء للشعب الاسرائيلي. في مرحلة تطورية أخري أخري عند النزوغ الي التوحيد.
ففي عصر الشك , في القرن الثامن عشر ” وفقا للأناجيل الرسمية,ويواصل العقاد حديثه عن “عصر” الشك” والقول بأسطورية الشخصيات فيقول : علي أن الدراسات الاخيرة في علم المقابلة بين الاديان ,تسوق المؤرخ الذي يكتب عن تاريخ المسيح انما الي مبحث عويص أدق جدا من البحث الذي يدور حول السنة لميلادية,فان القرن الثامن عشر قد أخرج للناس “مدرسة الشك المطلق”في مقررات العلم القديم ووقائع التاريخ المتواتر, فشك الكتاب في ألانبياء والرسل ,وكان الشك يتناول يتناول كل كل نبي وكل صاحب دين غير ” محمد” صلي الله عليه وسلم ( ولعل ذلك يرجع الي ان النبي محمد عليه السلام جاء في عصر التدوين ,قد كتب عنه من أتباعه وكتب عنه خصومه , وأرسل الي ملوك العالم برسائل عليها خاتمه , يدعوهم فيها الي ألاسلام ,فمنهم من قبل ,ومنهم من رفض ككسري وقيصر في زمانه, ومنهم من أكتفي بأن يرسل الهداياوالنفائس ولكنه لم يستجب لرسالته وأنما أراد السلم والود مع أقوي رجل في جزيرة العرب , وحارب قبائل وبلاد كان معروف ولائها الي الفرس او الروم,فكل ذلك دون في التاريخ الشرقي والغربي, ولعل العقاد قد أستثناه من مسألة الشك ) ويكمل العقاد :وقد شكوا في بوذا كما شكوا في أبراهيم وموسي , وعيسي كما سري,سري الشك الي ألادب كما سري الي الدين , فشكوا أسطورية في هوميروس وفي شخصية شكسبير , وظن بعض المثبتين للشخصيات المتاخرة في التاريخ انها وجدت فعلا ,ولكنها لم تضع مانسبوه اليها, ولم تكتب ما نشر بأسمائها., وقد زار فولتير –امام الشاكين-بلاد الانجليز فوجد هناك مدرسة بولنجبروك تتحدث بغاية السهولة في شبهات عن وجود المسيح , وكان نابليون يسأل العالم الألماني”ويلاند”: هل المسيح شخص تاريخي وجد كما وصفوه؟ , ثم جاء القرن التاسع عشر وقد طغت علي ميدان الدراسات الدينية من الكتب التي ألفها الألمان والدنمركيون والفرنسيون والانجليز,يفندون بها أقوال المؤرخين , ويرجحون أن السيد المسيح شخصية من شخصيات الخيال.”
ويلخص العقاد الاساسين المهمين اللذين قامت عليهما مدرسة اسطورية في وجود السيد المسيح
احدهما: أنه لم يذكرفي التواريخ التي فصلت أخبار عصره .
والأخر:ان روايات التلاميذ عنه قد سبقت روايتها عن شخصيات أخرين من شخصيات الزمن القديم ,بعضها اقرب الي الأساطير والفروض….اما المؤرخون الذين خصوهم بالذكر فهم : يوسيفوس , وناستيس, وسوتينوس, ولهم ممن أرخوا عهدعصر الميلاد , ولم يثبتوا وجود السيد المسيح بما كتبوه عن أيامه. نعم وردت في نسخ من اشارة مقتضبةالي ” عيسي القديس”ولكن النقاد التاريخيين يجزمون أنها أضيفت بقلم أحد القراء المتأخرين الذين عجبوا لخلو التاريخ من الاشارة الي أعظم الاحداث في ذلك العصر ,فأباحوا لانفسهم ان يضيفوا تلك الاشارة كأنها من كلام يوسيفوس., وما كان من المعقول أن المؤرخ اليهودي الذي ينكر المسيحية يكتب عن رسول هذا الدين,فيقول: ” أنه في هذا العهد عاش عيسي ذلك القديس- ان جاز ان نسميه أنسانا-بعدما أتي به من المعجزات البينات وعلم الناس , وتلقي الحق , فاستبشر به , واتبعه كثير من اليهود والاغريق, وكان هو المسيح”………….ويوسيفوس مات علي دين اليهودية,لا يكتب هذا , ولا يؤمن ايمان المسيحيين , ولو انه آمن كما آمنوا, لما أكتفي بتسجيل الحادث العظيم في ثلاثة أسطر بفير تعقيب ولا تفصيل.
وأخيرا: هي حجة التشابه بين القصص المروية عن السيد المسيح و القصص المروية عن الأرباب في العبادات الشرقية القديمة ,فهي تعتمد علي تفصيلات كثيرة تحيط بأخبارالمعجزات والشعائر في ديانات الأقدمين من المصريين و البابليين والفرس و والهنود والكنعانين,وأكثر النقاد المتشبسين بهذه الحجة من غلماء المقابلة بين الأديان المطلعين علي أديان المشرق في لغاتها , ويغلب علبهم ترجيح القول بأن أخبار المسيح بقية من بقايا الديانات الشمسية ….).. وأما المؤرخ الروماني “تاسيتس” (115ميلادية) فاقدم ماذكره عن كلمة “مسيح”,لايرجع الي اقدممن سنة أربع وستين ميلادية, ولم يذكره مباشرة بل أشار الي اسمه في سياق الكلام عن حريق روماحيث قال: ان الامبراطور نيرون اقلقه أتهام الناس اياه باحراق المدينة ,فالقي التهمة علي جماعة من العامة الذين يسمون أنفسهم المسيحيون ينسبون الي المسيح الذي حكم عليه بونتياس بيلاطس بالموت في عهد القيصر طيبروس”
ويلحظ العقاد الاتي:لايعرف علام أستند “تاسيتس”في رواية هذه النسبة ,ولكنهاكانت علي كل حال رواية شائعة بين أناس لم يشهدوا عصر المسيح.
وكذلك لم يذكر “سوتنيوس” خبرا مباشرا عن المسيح .
(وعاش في عصر المسيح نفسه كتاب ومؤرخون من اليهود,مثل الفبلسوف اليهودي (فيلون), والمؤرخ (جيتس الطبري)الذي عاش في الجليل أيام الدعوة المسيحية,وكتب تاريخ قومه من عهد موسي الي نهاية القرن الاول للميلاد , ولم ترد في تاريخه اسارة مباشرة او غير مباشرة عن الدعوة المسيحية)
وهذا مثال من عند العقاد عن الشك في الوجود الحقيقي للشخصيات , واحتسابها من الاساطير
وهكذا ظلت القطيعة بين علم التاريخ من ناحية والتاريخ الديني من ناحية أخري ,وهكذا يتطلب الامر بذل الجهد لحل تلك الخصومة ,أو المساهمة في حلها , ولو جزئيا , علي أمل من يأتي ليكمل المشوار . كنا قد سبق في جزء الدين والسحر ,ان قمنا بتعريف الدين. وعرضنا رأي د/ جواد علي في سفره الجليل ( المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام), ويري د/ دكتور جواد علي ان (العرب قبل الاسلام تعبدوا الآلهة , وفكروا في وجود قوي عليا لها عليهم قوة وسلطان , فحاولو التقرب منها كما حول غيرهم و استرضائها بمختلف الوسائل والطرق ) كما اقر بأنه لايوجد تعرف للدين متفق عليه , وان آراء المعنيين بتاريخ الاديان, وفلسفتها علي أختلاف كبير في حد علمي مقبول بين الجميع لموضوع الدين , حتي صار من المستحيل وضع تعريف او أطار يتفق عليه الجميع علي أنها تمثل الدين
ومن جانبنا , فان عنصر الاعتقاد هوالعنصر المميز لل ما يطلق عليه أصطلاح “دين”
وفي هذا الجزء نحاول فك الاشتباك بين الدين والاسطورة والدين , وتحديد كل منهما , فتلك الخطوة التي تلي التفرقة بين الدين والسحر, وان كان هذا أصعب بكثير.

مدخل ثان :الأسطورة في اللغة

في البحث اللغوي عن الاسطورة في اللغة , نعرج علي لسان العرب لابن منظور, فنجد في مادة سطر: السطر و السطر : الصف من الكتاب ,,, والجمع أسطر وأسطار و أساطير(عن الحياني ), وسطور. ويقال بني سطرا وزرع سطرا . والسطر :الخط بالكتابة وهو في الاصل مصدر . ويقال سطر ماكتب . وقال الزجاج في قوله تعالي ” أساطير الاولين” ومعناه ما سطره الأولون , وواحد الاساطير :أسطورة, كما قالوا أحدوثة وأحاديث ..وسطر يسطر ,أذا كتب , وقال تعالي : ” ن والقلم وما يسطرون” أي ما تكتب الملائكلة, وقد سطر الكتاب يسطره سطرا , وفي التنزيل ” وكل صغير وكبير مستطر”.
وجاء في لسان العرب معني آخر:
الأساطير : الاباطيل . والاساطير :أحاديث لانظام له .وينسب الي لليث : يقال سطر فلان علينا اذا جاء بحديث تشبه الباطل .ويقال :هو يسطرمالا اصل له أي يؤلف . منها المسيطر : المسلط علي الشئ ليشرف عليه ويتعهد بأحواله , ويكتب عمله ,واصله السطر , لأن الكتاب مسطروالذي يفعله مسطر ومسيطر , ويقال : سيطرة علينا , وفي القرآن” لست عليهم بمسيطر” , وقد تقلب السين صاد لأجل الطاء وقد ورد ذلك بالقرآن .والساطرون أسم ملك من العجم , والمسطار : الخمر الحامض .
وما ذهب اليه بن منظور في اللسان في اول الكلام ,هو الأصح لأنه يمكن كل ما جاء بعده , ويبقي موقف مفسري القرآن , , اذ أعتمدوا معني الخرافة والاباطيل ,فكان الأختيار الاول لهم , وهو فهم قاصر وأنتقائي , وقد نسوا ان كتب أنبيائهم القدامي قبل رسول الله صلي الله عليه وسلم ,أنما كتبت أي سطرت سطرا , ماهي خرافة وماهي أباطيل , بل ان القرآن الكريم هو كتاب مسطور وليس يالحديث الباطل او الخرافة.
وهذا يختص بالأسطورة لغة . اما الأسطورة أصطلاحا عند أهل التاريخ والانثربولوجي و يعرف البعض ألاسطورة بانها: قصة خيالية أو مختلقة . وكانت ترتبط بالظواهر والكوارث الطبيعية وتفسيرها . فلقد تصور الأولون المطر إله يصب الماء من إناء بالسماء والريح له إله ينفخها بمراوح والشمس إله لأنها تضيء الدنياويشعل النيران . وكان الإنسان الأول يؤدي طقوسا للحصول علي هذه الأشياء وكان يعيش مع أساطيره كما إنشغلت كل الحضارات القديمة بسبب الخلق والخليقة . وتعتبر الأساطير حكايات مقدسة لشعب أو قبيلة بدائية وتراثا متوارثا ويطلق علي هذه الأساطير أحلام اليقظة ولها صلة بالإيمان والعقائد الدينية . كما تعبر عن واقع ثقافي لمعتقدات الشعوب البدائية عن الموت والحياة الأخروية . وهذه نظرة ميتافيزيقية (مادة) . ومازالت القبائل البدائية تمارس الطقوس وتتبع أساطيرها التي تعتبر نوعا من تاريخها الشفاهي الذي لم يدون . ومن خلال الملاحم تروي الشعوب روايات عن أجدادها وحروبهم وإنتصاراتهم ورواية السير الشعبية الملحمية . لهذا لاتعتبر الأساطير تاريخا يعتمد عليه لأنها مرويات خرافية خيالية . فالإنسان البدائي لم يكن يشغل عقله لتفسير الظواهر الطبيعية وكان يعتبر من منظوره الشمس والقمر والرياح والبحر والنهر بشر مثله . لهذا ظهرت أساطير الأولين لدي البابليين والفراعنة والرومان والأغريق والمايا . ومنها نبعت الأديان والمعتقدات الدينية لدي الشعوب.

مدخل ثالث: الاسطورة بحكم نشأتها عمل شفاهي بالاساس:

في الشعوب القديمة , والتي نشأت فيها الاسطورة , حيث لم تكن الكتابة لم تنشأ بعد , كانت الاساطير تروي شفاهة . ومع مرور الوقت كانت الاسطورة الشفهية تتطور , فيضاف اليها عناصر وأحداث جديدة ..في تلك الحقبة كانت الأسطورة حية ,تتميز بالخصوبة والتفاعل الخلاق بينها وبين الشعوب التي أبتدعتها , ومازالت القبائل البدائية تمارس الطقوس وتتبع أساطيرها التي تعتبر نوعا من تاريخها الشفاهي الذي لم يدون . ومن خلال الملاحم تروي الشعوب روايات عن أجدادها وحروبهم وإنتصاراتهم ورواية السير الشعبية الملحمية . لهذا لاتعتبر الأساطير تاريخا يعتمد عليه لأنها مرويات خرافية خيالية . فالإنسان البدائي لم يكن يشغل عقله لتفسير الظواهر الطبيعية وكان يعتبر من منظوره الشمس والقمر والرياح والبحر والنهر بشر مثله . لهذا ظهرت أساطير الأولين لدي البابليين والفراعنة والرومان والأغريق والمايا . ومنها نبعت الأديان والمعتقدات الدينية لدي الشعوب
وربما لوحظ أختلاف في أسطورة أوزوريس عندما دخل عصر الكتابة والتدوين , فكتبت عدة مرات كما كانت تروي شفاهة , كان هناك أختلاف في النصوص . ولكن بدخول عصر الكتابة , توقف تطور الأسطور, اذ تميزت بالثبات نتيجة للكتابة, وتوقف معها التفاعل الخلاق بين الناس والأسطورة ,ودخلت مرحلة المقدس المدون , الذي لايجور التغيير أو الزيادة عليه.وبالتالي فالكتابة ودخول الأسطورة في المقس ,فعندما كتبت الاسطورة علي جدران المعابد في مصر القديمة علي سبيل المثال, أكتسبت القدسيية و أصبح أما أن تؤمن بها كما هي , أما الأساطير التي أستولي عليها اليهود من تراث الشعوب التي احتكوا بها , فكان بالامكان أدخال التعديلات عليها بما يخدم الاهداف اليهودية. ومن المعروفة أن التوراة كتبت عدة مرات بعدة أقلام وعلي فترة طويلة من الزمان , وسمح هذا بالتغيير و التطوير والتطويع , ومن الثابت علميا الان ان اليهود قد نهبوا تراث الشعوب التي تعاملوا معها وتم ضمها الي المقدس اليهودي – ويشمل ذلك بالطبع الاساطير- في عملية من أكبر عمليات السطو علي النراث في التاريخ, شمل الاساطير المصرية والبابلية والسومرية وغيرها.وقد تمكن علم التاريخ الحديث رد الأساطير المنهوبة الي مصدرها , رغم التغيير فيها لخدمة الاهداف اليهودية والتوراتية.
المدخل رابع : في علاقة الأسرائيليات بالاسطورة كوجه من وجوهها :تحتشد الاسرائيليات بكم كبير من الأساطير , وأختلطت بالقصص التوراتي والتلمودي,و يشرح د/ عبد الوهاب المسيري في موسوعته اليهودية والصهيونية, مسالة الاسرائيليات وخاصة في حالة أقحامها في التراث الأسلامي , ولكي يكون كلام الدكتور المسيري واضحا وسلسلا, نسوق بعض التعريفات التي تعين علي ذلك:
1- المبدأ الواحد «المبدأ الواحد» هو مصدر وحدة الكون وتماسُكه، وهو القوة الدافعة له التي تضبط وجوده، وهو قوة لا تتجزأ ولا يتجاوزها شيء ولا يعلو عليها أحد، وهذه القوة هي النظام الضروري والكلي للأشياء والذي يمكن تفسير كل شيء من خلاله. وتختلف المذاهب الفلسفية والدينية والفكرية في رؤيتها لطبيعة المبدأ الواحد وعلاقته بالعالم (الطبيعة والإنسان)، إذ ترى بعض المذاهب أنه قوة روحية خالصة (الإله) متجاوزة للإنسان والطبيعة والتاريخ منزَّهة عنها، مفارقة لها، بينما يراه البعض الآخر باعتباره قـوة مادية خالصـة (قوانين الحركة) كامنة (حالة) في المادة، جزء عضوي لا يتجزأ منها ولا وجود له خارجها. كما تراه بعض المذاهب باعتباره قوة روحية اسماً وشكلاً ومادية فعلاً (روح الشعب ـ إرادة الجماهير ـ العقل المطلق ـ الحتمية التاريخية) كما هو الحال في المنظومات الهيجلية (وضمنها الماركسية). ونحن نذهب إلى أن المبدأ الواحد من منظور العلمانية الشاملة هو الطبيعة/المادة أو بعض التنويعات عليها.
2- التوحيد :«التوحيد» هو الإيمان بأن المبدأ الواحد، مصدر تماسُك العالم ووحدته وحركته وغايته، هو «الإله»، خالق الإنسان والطبيعة والتاريخ، وهو الذي يحركهم ويمنحهم المعنى ويزودهم بالغاية، ولكنه مع هذا مفارق لهم لا يحل فيهم أو في أيٍّ من مخلوقاته ولا يتوحَّد معهم، وهو ما يعني أن النظم التوحيدية تُولِّد ثنائية أساسية، تبدأ بثنائية الخالق والمخلوق التي يتردد صداها في ثنائية الإنسان والطبيعة ثم في كل الثنائيات الأخرى في الكون، وهذا يعني أن العقائد التوحيدية لا تسقط في الواحدية.
3- الواحدية الكونية :«الواحدية الكونية» هي الرؤية القائلة بأن مركز الكون كامن فيه وأن الإله والإنسان والطبيعة يشكلون وحدة عضوية واحدة وأن ثمة جوهراً واحداً في الكون رغم كل التنوع الظاهر. والإنسان والإله جزء من دورات الطبيعة والكون لا يتجاوزانها. وهذه الرؤية تشكل الإطار المعرفي الشامل للعبادات الوثنية القديمة
4- القبَّالاه :«القبَّالاه» هي التراث الصوفي اليهودي الحلولي، والقبَّالاه ذات طابع حلولي كموني غنوصي متطرف. وقد سيطر الفكر القبَّالي على التفكير الديني اليهودي منذ القرن السادس عشر. وأشد أنواع القبَّالاه حلولية وتطرُّفاً القبَّالاه اللوريانية، نسبة إلى إسحق لوريا، ومن أهم كتب القبَّالاه كتاب الزوهار.
5-وحدة الوجود الروحية والمادية :«وحدة الوجود» تعني القول بأن مركز العالم (المبدأ الواحد) حالّ وكامن فيه، وهو يتبدَّى في صيغتين مختلفتين ظاهراً، هما في واقع الأمر صيغة واحدة رغم اختلاف التسميات التي تُطلَق عليه:
أ) في المنظـومات الحـلولية الكمونية الروحية (وحدة الوجود الروحية)، يُسمَّى المبدأ الواحد «الإله»، ولكنه إله يَحلُّ في مخلوقاته ويمتزج ثم يتوحد معها ويذوب فيها تماماً بحيث لا يصير له وجود دونها ولا يصير لها وجود دونه («حلولية شحوب الإله»). فهو إله اسماً ولكنه هو الطبيعة/المادة فعلاً. وقد طوَّر هيجل هذه الصياغة ولذا نجده يتحدث عن «الروح المطلق» أو «روح التاريخ» فيبدو وكأنه يتحدث عن أمور روحية مثالية، ولكنه في واقع الأمر يتحدث عن عناصر محسوسة، كامنة في عالم الطبيعة/المادة.
ب) في المنظومات الحلولية الكمونية المادية (وحدة الوجود المادية)، يتم الاستغناء تماماً عن أية لغة روحية أو مثالية ويُسمَّى المبدأ الواحد «قوانين الطبيعة» أو «القوانين العلمية» أو «القوانين المادية» أو «قانون الحركة» (ولذا فنحن نسميها «حلولية بدون إله»). هذا القانون هو قانون شامل يمكن تفسير كل الظواهر ـ ومن بينها الظاهرة الإنسانية ـ من خلاله.
ورغم الاختلاف الظاهر بين وحدة الوجود الروحية ووحدة الوجود المادية فإن بنيتهما واحدة يتسمان بالواحدية وبمحو الثنائيات والمقدرة على التجاوز
بهذه التعريفات والتوضيحات , نستطيع الدخول الي مبحت (الاسرائيليات(تهويد الاسلام)
الإســرائيليات (تهــويد الإسـلام)
«الإسرائيليات» هي مجموعة من القصص والتفسيرات لقصص وأحكام القرآن. ويتناول كثير من هذه الإسرائيليات قصصاً وأساطير أبطالها شخصيات من العهد القديم ورد ذكرهم في القرآن. وتفترض الإسـرائيليات أن ثمة اسـتمراراً بين قصص العهد القديم وقصص القرآن، وأن إبراهيم، الذي ذُكر في التوراة هو نفسه سيدنا إبراهيم (عليه السلام) الذي ذُكر في القرآن. ولما كان القرآن لم يذكر قصص الأنبياء كاملة فإن كتاب الإسرائيليات يلجأون، في تفاسيرهم، إلى ملء الثغرات بالعودة إلى كتب اليهود الدينية. وتتناول الإسرائيليات كذلك عقائد، مثل: المسيح المخلِّص (المهدي المنتظر)، وآخر الأيام، وعذاب القبر، واسم الإله الأعظم. ويتسم معظم الإسرائيليات بطابعه الحلولي المتطرف (الذي يتناقض بشكل حاد مع الفكر التوحيدي) ومن المعروف أن افتراض الاستمرار الكامل، ومحاولة ملء كل الفراغات، هي من سمات الأنساق الحلولية التي لا تقبل جود أية مساحات داخل نسق فضفاض.
ويروي ابن خلدون في مقدمته من أسباب تسرب الإسرائيليات إلى المسلمين وأسباب استكثارهم من روايتها أن العرب لم يكونوا أهل كتاب أو علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء، مما تتشوق إليه النفوس البشرية وأسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم، ويستفيدون منهم، وهم أهل التوراة من اليهود، وهم أنفسهم كانوا أهل بادية منهم، ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب، ومعظمهم من حمْيَر الذين أخذوا بدين اليهودية، فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم. وتساهل المفسرون وملأوا كتب التفسير بهذه المنقولات، وأصلها عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية ولا تحقيق عندهم (الحفني). ومعنى كل هذا أن ثمة رغبة شعبوية بدائية في معرفة أصل الأشياء، ملأها المفسرون من خلال احتكاكهم بيهود الجزيرة العربية الذين كانوا يؤمنون هم أنفسهم بيهودية شعبوية بعيدة عن التوحيد أو تميل إلى الحلولية ولذا تود ملء كل الثغرات. ويضرب الحفني مثلاً على ذلك: أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعددهم، وعصا موسى من أي الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، ونوع الشجرة التي كلَّم الله منها موسى، وكلها تفاصيل روائية، لا فائدة من معرفتها، ولكن العقل الشعبي يود دائماً الإحاطة بالتفاصيل المادية إذ يجد صعوبة غير عادية في التجريد وتجاوز المادة. والموقف الإسلامي من هذا واضح فقد ورد في القرآن (كما يُبيِّن الدكتور الحفني) أن ثمة أموراً أبهمها الله، ولا فائدة من تعيينها تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم، وبقي الاختلاف عنهم في ذلك جائزاً (“سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون خمسة سادسهم كلبهم، رجماً بالغيب، ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم، قل ربي أعلم بعدتهم، ما يعلمهم إلا قليل، فلا تُمار فيهم إلا مراءً ظاهراً، ولا تستفت فيهم منهم أحدا” [الكهف 22]). دخل الكثير من الإسرائيليات إلى كتب التفسير الإسلامية عن طريق اليهود الذين اعتنقوا الإسلام في مرحلة مبكرة مثل كعب الأحبار.ولكن،بعد فترة، لم يَعُد اليهود الذين أسلموا وحدهم مصدر الإسرائيليات،فكثير من المفسرين المسلمين كانوا يعودون بأنفسهم إلى الكتب الدينية اليهودية،أو الفلكلـور اليهـودي، لتفسـير القصص القرآني.كما أن الوجدان الشعبي نسج وولَّد قصصاً وتفسيرات على منوال الإسرائيليات.ونحن نذهب إلى أن الخطاب الغنوصي ظل سائداً بين العامة ووجد طريقه إلى عمليات التفسير في كل الديانات التوحيدية.ويجب أن نتذكر أن كثيراً من الإسرائيليات هي،في جوهرها، فلكلور يهودي نجح في أن يصبح جزءاً من العقائد الدينية اليهودية الرسمية،والتلمود كتاب فلكلور بقدر ما هو كتاب تفسير.ونحن نذهب إلى أن شخصيات العهد القديم تختلف في سماتها وسلوكها عن مثيلتها التي تحمل الأسماء نفسها في القرآن الكريم.ومن ثم، فإن إبراهيم الذي ورد ذكره في التوراة يتميَّز عن سيدنا إبراهيم (عليه السلام) الذي ترد قصته في القرآن الكريم (ولهذا،فإن اسم الأول خلافاً للثاني يرد هنا مجرداً من لفظ «سيدنا»).
عبد اللـه بــن سـبأ (القرن السابع الميلادي)
ويُسمَّى أيضاً ابن السوداء. وهو عربي يهودي من أهل صنعاء في اليمن. وقد ادَّعى ابن سبأ بعد موت الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو الماشيَّح الذي سيرجع مرة أخرى، فكان يقـول: “العـجب ممن يزعم أن عيـسى يرجع، ويكذِّب برجوع محمد”. وقد أيَّد رأيه بآية من القرآن: “إن الذي فرض عليك القرآن لرادُّك إلى معاد” (القصص 85) ومن ثم فإن محمداً أحق بالرجوع من عيسى. وقال أيضاً إنّ في التوراة أنّ “لكل نبي وصياً، وإن علياً (زوج ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم) هو وصيه، ولذا فعليٌّ هو خاتم الأوصياء بعد محمد خاتم النبيين”. بل يُقال إنه لما بويع علي قام إليه ابن سـبأ فقـال لـه:”أنت خلقت الأرض وبسطت الرزق”. وقد ذهب عبد الله بن سبأ إلى القول بالتناسخ. وبحسب قوله، فإن روح الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم تمت مع محمد بل استمرت حية تتعاقب في ذريته، فروح الله التي تبعث الحياة في الرسل تنتقل بعد وفاة أحدهم إلى آخر، وأن روح النبوة بصفة خاصة انتقلت إلى عليّ واستمرت في عائلته، ومن ثم فعليّ ليس مجرد خلف شرعي للخلفاء الذين سبقوه، وهو ليس في مستوى واحد مع أبي بكر وعمر اللذين اندسا مغتصبين بينه وبين الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأخذا الخلافة بغير وجه حق، إنما هي «الروح القدسية» تجسدت فيه وهو وريث الرسالة، ومن ثم فهو بعد وفاة محمد الحاكم الوحيد الممكن للأمة، تلك الأمة التي يجب أن يكون على إمامتها مثل حيّ لله. وقد استطاع ابن سبأ تكوين خلايا سرية في عديد من الأمصار الإسلامية التي مرَّ بها (الحجاز والبصرة والكوفة والشام ومصر)، وجرت بينه وبين أعضاء هذه الخلايا مكاتبات، وحاك ابن سبأ المؤامرات ووضع مخططات للثورة. وبعد مقتل عليّ رضي الله عنه عام 661، أنكر عبد الله أن علياً قد قُتل، زاعماً أن من قُتل هو في واقع الأمر شيطان يشبه علياً وأن علياً نفسه فيه الجزء الإلهي وأنه هو الذي يجئ في السحاب، وأن الرعد صوته والبرق سوطه، ولذا كان أتباعه يقولون عند سماع الرعد: “السلام عليك يا أمير المؤمنين”. وأنه لابد أن ينزل إلى الأرض فيملأها عدلاً كما مُلئت جوراً.
وقد أسَّس ابن سبأ الطائفة السبئية التي تقول بألوهية عليّ. ويُقال للسبئية «الطيارة» لزعمهم أنهم لا يموتون وإنما موتهم طيران نفوسهم في الغَلَس (قبيل انبلاج النهار). ويُقال إن عبد الله بن سبأ جاء إلى الإمام عليّ (رضي الله عنه) مع جماعته وقالوا له « أنت الله» فأحرقهم بالنار، فجعلوا يقولون: “الآن صحَّ عندنا أنه الله لأنه لا يعذِّب بالنار إلا رب النار”.
وقد انشغل المؤرخون المسلمون (في الماضي والحاضر) بقضية هل كان عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية وُجـدت فعلاً أم شخصية مُختَلَقَة، وهي في الواقع قضية قد تكون على قدر من الأهمية ولكنها تترك المسألة الأساسية، أي بنية أفكار ابن سبأ (وهي أفكار كان هناك من يحملها ويروجها بغض النظر عن وجود ابن سبأ نفسه). ولنضرب مثلاً لنوضح ما نرمي إليه: ينتشر كثير من الأفكار الرومانتيكية وتتبناها جماعات من الناس في أنحاء العالم دون أن يطلعوا بالضرورة على كتابات الشعراء أو الفلاسفة الرومانتيكيين في الغرب، وحتى دون أن يعرفوا بوجود شيء يُسمَّى «الحركة الرومانتيكية». والواقع أن القضية هي بنية هذه الأفكار ومدى تأثيرها في سلوكهم ومدى تأثيرهم فيمن حولهم بعد حَمْلهم هذه الأفكار، وهكذا. أما قضية الأصول والتأثير والتأثر، وهل اطلع هؤلاء بالفعل على النصوص الأساسية للحركة الرومانتيكية الغربية أم لا، فهي قضية ثانوية رغم أهميتها، وخصوصاً أن كثيراً من الأفكار الإنسانية تتوالد من داخل العقل الإنساني، دون حاجة لتأثير خارجي. والأفكار الحلولية (التي تشكل الإطار الذي تتحرك داخله المنظومة السبئية) أمر كامن في تجارب الإنسان الأولى.
ويمكن القول بأن النسق الفكري الذي يُنسَب إلى اسم بن سبأ نسق حلولي غنوصي كامل يستحق الدراسة من هذا المنظور:
1 ـ فهو نسق يفترض الحلول الدائم للإله في الطبيعة والتاريخ، ولذا فالرعد هو صوت عليّ والبرق سوطه، فالإله يتجسد في الطبيعة. كما أن ثمة إيماناً بأن روح الإله تنتقل من رسول إلى آخر ولابد أن يكون هناك إمام هو مثل حيّ (تَجسُّد ـ حلول) للإله في التاريخ. ويُلاحَظ أنه في الأنساق الحلولية، لابد أن يكون هناك تجسُّد دائم ومستمر للإله في الطبيعة وتناسخ دائم عبر التاريخ، حتى يظل الإله دائماً متجسداً في الزمان والمكان كامناً فيهما لا متجاوزاً أو مفارقاً لهما. والإله، في هذه المنظومة، جزء لا يتجزأ من الطبيعة والتاريخ ويُردُّ إليهما لملء كل الفراغات والمجالات والثغرات بحيث يتصل الزمان بالمكان في وحدة وجود روحية لا تبقى للإله من الألوهية سوى الاسم.
2 ـ ويتضمن النسق الديني الحلولي إلغاء فكرة محمد خاتم المرسلين، وهي الفكرة التي تتضمن أن التاريخ أصبح المجال الذي يتفاعل فيه الإنسان مع الإله وأن التاريخ هو الرقعة التي يختبر الإله فيها الإنسان، وبإمكان الإنسان أن يخطىء ويصيب فيها (فهو حرّ الإرادة). بدلاً من ذلك يطرح النسق السبئي الحلولي فكرة نهاية التاريخ. كما يتضمن النسق الحلولي إلغاء فكرة الضمير الشخصي ووجود الإنسان الفرد.
3 ـ يمكن أن يتحقق الحلول الإلهي في شخص بدرجة مركزة بحيث يصبح هذا الشخص إلهاً لا يموت، وهذه هي صفات عليّ (رضي الله عنه) في النسق السبئيّ أو صفات محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي لابد أن يعود أو صفات من يتحقق فيه الحلول الإلهي عبر التاريخ.
4 ـ يُلاحَظ أن الحلول الإلهي مسألة متوارثة في مجموعة من الناس، فكأن الإله بحلوله في عائلة ما يصبح جزءاً عضوياً يجري في عروقها، وكأن الربانية أصبحت صفة بيولوجية وليست صفة تعبر عن نفسها في أعمال أخلاقية تتبدَّى من خلالها التقوى. والنظم الحلولية نظم عضوية، والإنسان الذي يتمتع بالحلول يتجاوز الخير والشر. وهذه صفات موجودة في النسق السبئي. ولم تذكر المصادر التي توافرت لنا شيئاً عن سلوك السبئيين وما إذا كانوا قد انغمسوا في ممارسات جنسية داعرة تعبر عن الحلول الإلهي العضوي في أجسادهم أو تعبِّر عن سقوط القيم الأخلاقية.
5 ـ المنظومة الحلولية تتسم بعدم النضج المعرفي، فهي تنحو نحو اختزال الكون في عناصر سببية بسيطة، فالإمام سيملأ الدنيا عدلاً بعد أن امتلأت جوراً، أي أن كل الثغرات ستُسد ويظهر عالم واضح عضوي مصمت، لا ثغرات فيه، عالم متأيقن تماماً، السبب مرتبط تماماً فيه بالنتيجة. أما من الناحية النفسية فالإنسان الحلولي يرفض الحدود ويفضل البقاء في حالة سيولة كونية رحمية (نسبة إلى الرَحم)، ومن ثم يرفض أن يكبح جماح غرائزه بل يرفض الموت، الحد الأكبر المفروض على الإنسان والنتيجة الطبيعية لإيمان الإنسان بالإله الواحد. ويتبدَّى هذا أيضاً في المنظومة السبئية حيث تُرفَض فكرة الموت بالنسبة لعليّ (رضي الله عنه) ولمن يرث الروح الإلهية. فكأن النسق الحلولي يعد أتباعه بأنهم سيصيبون الأزلية في الدنيا، أي سيصبحون آلهة. بل يمكن القول بأن تحديد المنظومة السبئية لعليّ (رضي الله عنه)، كنقطة للحلول الإلهي، هو بحث عن نقطة فردوسية (غنوصية) طاهرة تماماً لا يوجد فيها أي تركيب أو تناقض، نقطة الوحدة الحقّة للوجود

كعــب الأحبـــار (؟ -647)
«كعبُ الأحبار» هو أبو إسحق، كعب بن مانع الحمْيري، وأصله من يهود اليمن (حيث كانت اليهودية تنتشر هناك في زمن معاصر للدعوة الإسلامية)، وقد أدرك الجاهلية وأسلم في فترة الخلافة الراشدة. سُمِّي «كعب الأحبار» من باب التعظيم تقديراً لعلمه بكتب الأنبياء وأخبار الماضين.ويحتل كعب الأحبار مكانة مهمة بين المفسرين الأوائل بصفته يهودياً. وقد كان يرجع (بعد إسلامه) إلى التوراة والتعاليم الإسرائيلية في دراسته للإسلام، لذلك فإن كثيراً من المصادر الدارسة للتفسير والعلوم الإسلامية تتشكك في مروياته ومقولاته التي جاءت مشَّبعة بالإسرائيليات. ويُتهم كعب الأحبار بالإطلاع على مكيدة قتل عمر بن الخطاب، ثاني الخلفاء الراشدين، وصياغته لها في صورة نبوءة إسرائيلية. وترجع بعض الإسرائيليات، وخصوصاً في التفسير وفي مباحث النبوءات وذكر الأنبياء السابقين، إلى محاولة المفكرين الجاهليين الذين أسلمو التوفيق بين الرؤية الدينية التي كانت عندهم والتي كانت تتنبأ ببعثة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وبين العقائد الإسلامية الخاصة بهذا الموضوع
البهائيـة
«البهائية» عقيدة جديدة دعا إليها ميرزا حسين علي نوري (1817 ـ 1892) الذي كان يُلقَّب بـ «بهاء الله». وتعود جذور هذه العقيدة إلى البابية التي أُسِّست عام 1844 على يد ميرزا على محمد الشيرازي الذي نشأ في وسط باطني متصوف وأعلن أنه الباب (الطريق إلى الله). وذهبت البابية إلى أن ثمة نبياً أو رسولاً جديداً سيرسله الله. وكانت البهائية في بداية أمرها شكلاً متطرفاً من أشكال العقيدة في الفرقة الإسماعيلية، ومن عقيدة الإمام الخفي الذي سيظهر ليجدد العقيدة ويقود المؤمنين.
وقد انتشرت البابية رغم تنفيذ حكم الإعدام في الباب عام 1850 وقَتْل ما يزيد على عشرين ألفاً من أتباعه. وقد قام البابيون بمحاولة اغتيال الشاه، فنُفى قائدهم آنذاك ميرزا حسين علي إلى بغداد عام 1853. وفي عام 1863، أعلن ميرزا أنه رسول الله الذي تنبأ به الباب، وأعلن عن رسالته بخطابات أرسلها إلى حكام كل من: إيران وتركيا وروسيا وبروسيا والنمسا وإنجلترا. واعترف به أغلبية البابيين الذي أصبحوا يُسمَّون «البهائيين». ونُفي ميرزا حسين إلى عكا في فلسطين، وتُوفي عام 1892 حيث تحوَّل قبره في بهجي (أي الحديقة بالفارسية) إلى أقدس مزارات البهائيين. وقد خَلَفه في قيادة الجماعة البهائية أكبر أبنائه عباس أفندي الذي سُمِّي عبد البهاء (1844 ـ 1921) والذي أصبح كذلك المفسِّر المعتمد لتعاليمه. وقد سافر عبد البهاء إلى عدة بلاد لينشر تعاليم الدين الجديد من عام 1910 إلى عام 1913. وعيَّن أكبر أحفاده شوجي أفندي رباني (1896 ـ 1957) خليفةً له ومفسراً لتعاليمه. وقد انتشرت تعاليم البهائية في أنحاء العالم. وكتب البهائية المقدَّسة هي كتابات بهاء الله التي كُتبت بالعربية والفارسية، مضافاً إليها التفسيرات التي وضعها عبد البهاء وشوجي أفندي. وتتضمن هذه الكتابات التي تزيد على المائة منها الكتاب الأقدس الذي يحوي كل مفاهيم مذهبه وكل تشريعاته، و كتاب الإيقان، وهو دراسة عن طبيعة الخالق والدين ومجموعة الألواح المباركة، و كتاب الإشراقات والبشارات، و كتاب الأساس الأعظم، وله قصيدة أسماها ورقائية. وجوهر البهائية هو الإيمان بالحلول الكامل أو بوحدة الوجود أي توحد الخالق مع مخلوقاته. فالخالق جوهر واحد ليس له أسماء ولا صفات يمكن أن تصفه ولا أفعال، ولا يمكن الوصول إليه (ولا توجد أدلة على وجوده أو غيابه مثل الإله الخفي في الفكر القبَّالي أو الباطني الغنوصي)، وهو إلى حدٍّ ما يشبه القوانين الطبيعية غير الشخصية التي لا علاقة لها بالأنساق الأخلاقية (كما هو الحال مع مفهوم الإله عند إسبينوزا). والخالق واحد ليس له شريك في القوة والقدرة وهو الذي خلق الكون. ولكن هذا الكون ليس شيئاً آخر سوى تجلٍّ للخالق، بل إنه هو ذاته الخالق (أي أن الخالق ومخلوقاته مادة واحدة لا تنفصل ولا تتجزأ). وقد لُخِّصـت هـذه الحلوليـة في القـول البهائي الذي يُنـسَب إلى الخـالق: «الحق يا مخلوقاتي أنكم أنا». والبهائية، في هذا، لا تختلف كثيراً عن غلاة المتصوفة والباطنية، ولا عن الفكر القبَّالي أو الغنوصي، حيث لا توجد أية مسافة أو ثغرة بين الخالق والمخلوق، بل ثمة اتحاد وحلول واحدية (على خلاف التصور الإسلامي للخالق الذي يرى أن الله قريب من عباده ولكنه ليس كمثله شيء، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ولكنه لا يجري في عروقنا ولا تدركه الأبصار). ولكن، إذا كان الخالق هو مخلوقاته، فالحقيقة الدينية تصبح حقيقة نسبية وليست مطلقة لأن كل الأشياء يحل فيها الخالق وتلفحها لفحة من القداسة. والحقيقة تعبر عن نفسها من خلال الزمان وداخله، ولا يختلف تجلِّي الرب في أي شيء عن تجليه في أي شيء آخر. فتصبح كل الأمور مقدَّسة، ومن ثم تصبح كل الأمور متساوية. وفي نهاية الأمر، تصبح كل الأمور نسبية، أي أن المطلق المتجاوز يختفي في لحظة التحام الخالق بالمخلوق. وقد شاء الخالق (وإن كان يصعب في هذا السياق أن نتحدث عن «مشيئة الخالق» فهو لا يتجاوز مخلوقاته) أن يتجلى من خلال رسله، مثل: براهما، وبوذا، وزرادشت، وكونفوشيوس، وإبراهيم، وموسى وعيسى، ومحمد (عليه الصلاة والسلام)، وتضم القائمة الباب ثم بهاء الله الذي تظهر من خلاله صفات الخالق بشكل أوضح وأجلى مما كانت عليه. بل إنه داخل الإطار الحلولي يكون بهاء الله هو ذاته الخالق، ومن ثم وَجَّه البهائيون سهام نقدهم إلى الفكرة الإسلامية الخاصة بأن محمداً (صلى الله عليه وسلم) خاتم المرسلين، ففي رأيهم أن كل عصر يحتاج إلى تجلٍّ إلهي. وثمة تَشابُه عميق هنا بين بنية البهائية وبنية اليهودية الحاخامية، فكلتاهما تؤكد استمرار الوحي الإلهي في التاريخ الإنساني أو استمرار الحلول الإلهي (في الحاخامات حسب النسق اليهودي، وفي بهاء الله حسب النسق البهائي). وهو تَشابُه سنلاحظه في جوانب أخرى من النسقين الدينيين. كما يُلاحَظ أن هذا التشابه يزداد عمقاً بين البهائية والقبَّالاه. ومن المنظور البهائي، فإن جوهر كل الأديان واحد. ومع هذا، فإن كل دين له سماته الخاصة التي تجيب حاجة كل زمان ومكان وتتفق مع المستوى الحضاري السائد. وحيث إن الخالق يكشف عن نفسه بشكل تدريجي، فإن كل دين سيحل محله دين آخر، ومن ذلك العقيدة البهائية نفسها، ولكن ذلك لن يتم قبل ألف عام.
ولكن مهمة الأديان في هذا السياق هي خلق وحدة شاملة بين البشر تزداد اتساعاً مع مرور الزمن. فإبراهيم قام بتوحيد قبيلة، وموسى قام بتوحيد شعب، ومحمد (عليه الصلاة والسلام) قام بتوحيد أمة، أما المسيح فكان هدفه تطهير الأرواح وتحقيق قداسة الفرد، وقد تحققت بالفعل مهمة كل تجلٍّ إلهي. ولكن هذا لا يكفي إذ أن الحضارة ـ في هذا التصور ـ وصلت إلى مرحلة أصبحت معها وحدة الإنسان (وبالتالي وحدة الأديان) مسألة ضرورية. وهذه مهمة بهاء الله الذي ستتحقق على يديه وحدة الأديان وقداسة البشرية بأجمعها. وخالق العالم قد خَلَق الإنسان من خلال حبه له، والإنسان أنبل المخلوقات جميعاً خلقه الإله ليعرفه ويعبده. وهذا أمر يصعب فهمه في إطار حلولي، فالخالق هو المخلوق. ومن ثم، إذا عبد المخلوق الخالق فإنه يعبد نفسه أو يعبد قوة خفية لا يمكن الوصول إليها تشبه قوانين الطبيعة. وثمة تذبذب حاد ومتطرف هنا، بين الذاتية المتطرفة والموضوعية المتطرفة، يسم كل الأنسـاق الحلـولية. ففي اليهـودية نجد أن الشـعب يتوحـد تماماً مع الخالق، ومن ثم تصبح إرادة الشعب من إرادة الخالق. بل إن الخالق يحتاج إلى الشعب لتكامله. ولكن هذا الشعب لا إرادة له لأنه أداة في يد الخالق.
ويميِّز البهائيون بين خمسة أنواع من الأرواح: الحيوانية، والنباتية، والبشرية، وكلها أرواح زائلة فانية (ولذا يذهب بعض دارسي البهائية إلى القول بأنها لا تؤمن بخلود الروح)، وروح الإيمان (وهي وحدها التي تمنح الروح البشرية الخلود)، ثم أخيراً الروح القدس (وهي منطقة الحلول الكامل ووحدة الوجود حيث يصبح الخالق مخلوقاً والمخلوق خالقاً)، والواقع أن هذه الهرمية لا تختلف كثيراً عن هرمية المنظومتين الغنوصية والقبَّالية. ويبدو أن الروح البشرية، كالخالق، ليست لها حدود واضحة، إذ أن هذه الروح بعد أن تنفصل عن الجسد قد تحل في شخص آخر وتأخذ شكلاً آخر من الوجود. وفكرة تناسخ الأرواح سمة أساسية في مختلف الأنساق الحلولية التي تنكر حدود الفرد وتنكر المسئولية الخلقية، تماماً كما هو الحال في القبَّالاه.
مدخل خامس: هل يمكن للأسطورة حاليا ان تصبح دينافي الوقت الحاضر؟:
سبق أن قلنا في تعريفنا للدين من واقع اللغة:
فالدين: هو أعتقاد في الله الديان القاهر القاضي الذي يسوس أمورهم ويقهرهم على طاعته وإتباع أوامره وشرائعه.وهو يختلف من يشخص لأخر حسب أعتقاده فيمن تتوافر فيه هذه الصفات وثمة أمر جوهري في الدين وهو الاعتقاد فكل ما سبق أن قيل يترتب عليه، فالإيمان بكائن علوي سواء كان كائن خير أو شرير نافع أو ضار أو عدم الاعتقاد بأي منهما أو الاعتقاد بالموجود الملموس كالنار والحيوانات الرامزة، فكل ذلك دين.
ونحن نتفق مع الدكتور/ جواد علي في أن يستعصى على أي عالم أو باحث أن يضع تعريفًا واحداً جامعاً مانعاً ينطبق على كل الاعتقادات وتقديمه باعتباره هو تعريف الدين.
فلو ان أحدا أعتقد في اسطورة أوزوريس , لصارت له دينا , كأي من الاديان الأخري ,ولو أن أعتقد في في قدسية البقرة لصارت له دينا , كما في الهند حاليا .وللزمته أحكامه , ولو أعتقد في البعل أيضا لصار دينا له , وملنزم ولألتزم بأحكامه , وكم من أديان كبري هي أساطير في حقيقتها , وتحولت هذه الاساطير لاديان أخري. ولو أعتقد أحد في النبي محمد وما أنزل عليه , لكان له دينا , ولالزمته شريعته, وأذا كان الاسلام قد قرر بان ( الدين عند الله الأسلام) لكان ذلك ملزما في أعتقاده , لانه سبق وأعتقد في النبي محمد علي السلام والقرآن, فلزمه أن يعتقد بكل ماجاء فيه, فهو أعتقاد مبني علي أعتقاد سابق اولي ملزم.
ونظرا لان تعريف الدين, لم يتفق له علي تعريف موضوعي , فأصبح الامر (موضوعيا) أمرا شخصيا أيضا,, فكل من أعتقد في شئ , صار له دينا.
مدخل سادس: في ان الاسطورة من الأسرائيليات وغيرها وروافدها هي الأكثر خطورة علي الدين :
قامت الاديان الأبتدائية علي الاسطورة , ومن ثم وعلي سبيل المثال , “أسطورة أزوريس” والتي قامت عليها الديانية الاوزورية”, بكل ما أشتملت عليه من بعث بعد الموت , ومحاكمة أزوريس للمتوفي ,في عملية ترجيح بين المساوئ والمحاسن, بحيث يوضع القلب في كفة ميزان , وفي الناحية المقابلة لها “ريشة” هي رمز العدل, فمن غلبت حسنات فهو مبرأ , ويذهب الي حقول يارو (الجنة بمفهومنا) , اما الاشرار فيلتهمهم الوحوش , ويؤدي المتوفي قسمه امام أزوريس بأنه لم يرتكب المحرمات او الشر . فلم يزن , ولم يسرق…الخ…وهكذا تتحول الاسطورة.الي دين .وحتي في حالات أخر قامت “اسطورة” أزوريس , بغض النظر عن تحولها دين ,الي قيام أديان كبري , تلك التي أعتمدت بالذات علي ثواليث الآلهة ,(اوزوريس- أيزيس_ حورس) , وقد أكتشف العلماء قيام أديان كبري علي الثالوث الاوزيري , بل ان روائيا عبقريا مثل د. ه. لورنس في روايته (الرجل الي مات ) وضع يده في وقت مبكر علي هذه الظاهرة, رغم أتهام بالخرف من جراء هذا , ولكنها بالفعل أسطورة تحولت الي دين من الاديان العليا .
والاسطورة والدين شديدي القرب من بعضهم البعض , فالكثير من الأساطير قد تحولت ال أديان . وكثير من الاديان تأثرت بالأسطورة (مثل الاسرائيليات والتي سمها عبد الوهاب الميسيري بتهويد الاسلام) , أن اليهود بعد أن أستولوا علي أساطير الشعوب , وأعادوا أنتاجها, بما يتوفق مع أهدافهم , أعادوا تصديرها مرة اخري , بأشكال مختلفة , تسربت الي تراث الأديان وأصبحت أحدي مكوناته.