قصة : محمود توحيد

هذه المرة  ألصقت ظهرى بالحائط فى آخر الحجرة و قد انتويت أن أزيد من المسافة لأصعب عليها المسألة ،  أخذت أشير  بأصابعى بعدد معين و أكرر نداءاتى 
طيب دول كام ؟
انت بتقول ايه
كمان اتطرشتى يام ميمى

تضحك وتقول أنى “مدب “وتلعن نظارتها الجديدة و تعرض على الزواج فأنهرها : يالا ياولية ياكركوبة ،ترمقنى  وهى تلوك بفمها خيط رفيع و قد انزلقت بكرته و استقرت أسفل كرسى الصالون . ثم هاهى تخبرنى ثانية  بدلال أن ميمى تحبنى ، وأنها لن تجد أباً أحن منى ، بينما كانت ميمى راقدة على أقدامها الأربع ، مخرجة لسانها و هى تلعق داخل وعاء من الحليب ، وضعته لها أم ميمى على أرضية الحجرة .
***
كلما تناهى إلى سمعى صوت سارينة الأمن وهى تجوب حوالينا أتحسس جسدى مرتاباً لأجدنى بكامل ملابسى فأستعيد هدوئى ، تسألنى أم ميمى : مالك ، أجيببـ “مفيش” ، تقول “طيب إقفل الشباك” ، أقول “أنا داخل أنام ” فتقول”خد باب الشقة فى ايدك ”

***
أصل إلى المقهى فى موعدى و سارة قد تأخرت كالعادة ، كنت قد اقترضت ميمى  ، فقبلت أم ميمى على مضض .  ميمى تتلوى حول أقدامى بلا توقف . القهوجى يفرقع  بأصابعه من بعيد  ،مشيراً لى  “تشرب إيه” فأطلب كوب من الليمون . سارة قد وصلت أخيراًُ ، أخرج التذكرتين ، أخبرها “دى تذكرتك” ، لا تجيب . يمر ماسح الأحذية على المقاعد عارضاً خدماته ، أختلس نظرة نحو حذائى فأجده مغبراً . الرجل الجالس بجوار الشباك يجمع أشيائه ويرحل، أقول لسارة “يلا بينا نقعد مكانه” فيما يسبقنا أحد الزبائن بلا حذاء مرتمياً على المقعد . أعدل عن فكرتى ، سارة تسحب كفها رويداً ، أنظرإليها حائرا  “طيب و بعدين ؟”سارة تنتفض فجأة كالملسوع بعدما خربشتها ميمى فى كفها ، هرولت خلفها و هى ترحل من باب المقهى

السماء غائمة ، و الهواء به  رائحة بارو د ،  لم يكن يسير على الرصيف سواى وقليل من المارة ، النهار يغرب و ميمى انزوت داخل معطفى وهى ترتعش من البرد ، وقد انتبهت إلى قدمى الدامية من أثر الزجاج المتناثر بفوضاوية .
***
أم ميمى تفتح الباب ،و ميمى تنسل من معطفى و تقفز على الأرض ،و إذا بأم ميمى تفرغ  على قدمى الماء الساخن ، تقول “معنديش ميكروكروم  بس فيه سبرتو ” ، أزوم  تقول “معلش ” ،  .  بيد حريرية شاهقة  البياض تربط شريطة فوق جرحى بينما كانت أنفاسها تلفح صفحة وجهى .

***
أظلمت الحجرة وتدثرت جيداً . وقد تذكرت حقيبتى فنفضت الغطاء عنى ووضعتها بجانبى ، أسفل الغطاء أنرت مصباح الهاتف. امتدت يدى بداخلها تعبث بالملابس، استخرجت المسدس  الذى اشتريته  ثم  دسسته تحت الوسادة ، كان الجرح قد بدأ يوخزنى   وكنت  أتطلع بين الحين و الآخر إلى أقدامى الممتدة على طول بصرى ، وألملم أطراف الغطاء وألفه  على جسدى النحيل فلا يسع إلاى .
***
فى الصباح كان جسدى منهك ،  يبللنى العرق  ،انسحبت رويداً من عالمى أسفل الغطاء ،  ذقنى نابتة ، حلقتها و أعدت الماكينة إلى داخل الحقيبة . أخرجت منها طاقماً نظيفاً ، ارتديته ثم أشعلت سيجارة  و ابتلعت كوباً من الشاى . فى الشقة المقابلة لى حيث أم ميمى وحيدة ، أطرق بابها النصف الموارب ، أدفعه رويداً و أتقدم إلى الداخل . فى قميص نومها وقد حطت فوق أريكة لاتكف عن الترنح كلما تقلبت يميناً أو يساراً.

– لسه ناوى تسافر
كان لصوتها نبرة شجية ،ارتخت أعصابى فسقطت الحقيبة من يدى ، شعرت بقشعريرة أسفل عنقى ، مضيت أتابع رقبتها وقد نفر بها وترين متجاورين .اقتربت منها و قدمى  تغمز  ،  أهديتها المسدس  ، قلت : خلى ده معاكى ، لفت مقدمته بقبضة يدها  ثم أسكنته بين نهديها . وضعت يدها على جبهتى ، فارتعشت ، قالت : جسمك مولع

أخذت  أشير بكفى بالوداع ، كانت تفتح ذراعيها ، وكنت أتراجع دونما حركة ، أركعتنى تحت قدميها ، أخذت أنشج  ، ترفع ذقنى يإصبع ، تطالعنى بوجه مزقه الزمن .
تقول :
– خدنى معاك

أرمق  الباب لاهثاً ، أسرع  بحقيبتى ،أنزل الدرج ، أصطدم بباب البناية ،  أضبط ملابسى ،  أقبض على تذكرتى ، أسمع دوى رصاصة ،أنظر ناحية الشرفة ، القطة قادمة تجاهى وهى تهرول فوق الدرج ،وترمقنى بعيون دهشة و فرائها ملوث بقطرات من الدم ، بدأت تموء  فأوليتها ظهرى ،و استقليت تاكسى ،  عبثت بهاتفى ، لم يبقى على موعد الطائرة غير ساعة واحدة ، و أعبر ثلاثة أحياء و أصل لأرض فسيحة، التدافع كان هائلاً ، أحفظ الرقم عن ظهر قلب ، أضع الهاتف فوق أذنى ، سارة هاتفها مغلق ، أغمز بقدمى مرة أخرى إلى أن أصل  لموظف الجوازات ، أنظر حولى ،أفتش عنها بين الأجساد ، أطلب الرقم مرة أخرى ،و لا مجيب ،أفتش عن تذكرتى داخل بنطالى ،  فيما  أزيز الطائرة يرتفع متأهبة للإقلاع  .