بقلم : حمدي عبد العزيز

هناك وجهات نظر داخل المعسكر الوطني تري أن الحفاظ علي الدولة المصرية في ظل الظروف والمخاطر والتحديات الحالية يقتضي التخلي عن انتقاد السياسات الإقتصادية ذات الإنحيازات الإجتماعية التي لاتؤدي إلا للمزيد من إفقار الفقراء ومحدودي الدخل ومتوسطي الحال
وتري تلك وجهات النظر أنه نظراً لتلك التحديات والمخاطر علينا التغاضي ولو مؤقتاً عن مطلب العدالة الإجتماعية وربما عدم التحمس لقضايا الرأي والتعبير حتي لو امتد ذلك للعمال والمستخدمين الذين يعبرون عن رفضهم لبعض ظروف العمل الجائرة
وأن الأمر يقتضي – من وجهة النظر هذه – الدعم المطلق للنظام وتحديداً مؤسسة الرئاسة حتي لو كان هذا الدعم يتخذ أحياناً كثيرة منحي الصياغات الدعائية التي لاتقف عند أي تدقيق موضوعي للواقع الذي يستند إليه هذا المسلك من الدعم

طبعاً أحترم أصحاب وجهات النظر هذه ، وأحترم كذلك منطلقاتهم ودوافعهم الوطنية ، ولكن عليهم أن يعذروا شخصي الفقير إلي العلم والتجربة في أن أختلف معهم وألا التقي معهم في هذا الطرح إلا في جانب ضرورة الحفاظ علي الدولة المصرية وعدم الإنجرار إلي أي مغامرة قد تؤدي إلي سقوط الدولة المصرية لاقدر الله في ظل هشاشة اللحظة التي نعيشها

.. ذلك أنني أري ضرورة الإشتباك مع القضايا والمشكلات التي تمس أوسع شرائح المجتمع المصري وكشف أوجه الإنحياز تجاه معالجاتها أو أوجه التقصير تجاهها وممارسة الإنتقاد الموضوعي للسلطات المختلفة في الدولة وتقديم البدائل السياسية الكفيلة بمعالجاتها للرأي العام في إطار من المسئولية الوطنية التي لاتلقي بهذا الجهد في سلال من يريدون تدمير الدولة المصرية من أنصار عصابات الفاشية الدينية وكذلك من بعض عصابات رأسمالية التوكيلات الأجنبية الشرهة وموكليهم في الدوائر الإستعمارية الكبري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ،

وهذا الأمر لايمنع الإشادة الموضوعية بأي جهد يصب في إطار الحفاظ علي وحدة وتماسك الوطن،
وكذلك أي جهد في اتجاه التحديث والتطوير وخلق قاعدة إنتاجية تتيح بناء اقتصاد وطني حقيقي والوقوف في نفس الوقت مع أي جهد يسعي نحو تكريس الإستقلال الوطني والتخفف من قيود التبعية
وكذا أيضاً أي جهد في اتجاه الحفاظ علي حدود الدولة المصرية ضد المخاطر المختلفة وأي جهد في اتجاه سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح العليا للدولة المصرية وتؤمن لها حضوراً إقليمياً ودولياً مقبولاً ،

وبالتالي فإن كل خطوة في عكس تلك المسارات تستحق الكشف والنقد الذي ربما يتصاعد إلي الرفض الديمقراطي لتلك السياسات التي تمثلها أي خطوة عكس هذا الإتجاه

أيضاً علي الجانب الآخر هناك وجهة نظر داخل نفس المعسكر الوطني تري أن موقف المعارضة للنظام يقتضي تبادل القصف مع النظام بالمكايدات وبمقاليع الشعارات الأكثر سخونة وممارسة الطنين السياسي الحاد في مواجهته دونما مراعاة لمبدأ المسئولية الوطنية الذي يقتضي حساب أبعاد اللحظة التي نعيش جيداً من حيث واقع الحياة السياسية المصرية ومدي انخراط غالب السكان ( أصحاب المصلحة الأصلية) فيها ومدي قبول فكرة التنظم في أحزاب وتنظيمات سياسية وثقافية ومجتمعية ومدي حيوية أو موات تلك الحياة السياسية وكذلك طبيعة القوي الذاتية وماتستطيع تحقيقه من ثقل سياسي علي أرض الواقع قياساً بجماعات تحالف الفوضوية وعصابات الفاشية الدينية وجماعات الضغط الرأسمالي الوضيعة بترساناتها الإعلامية والفضائية وتأثيراتها علي المؤسسات المالية للدولة وكذلك حساب الظروف الموضوعية ومنها مايحيط بالدولة المصرية من تحديات ومخاطر ومقتضيات إقليمية ودولية

هذا النوع من المعارضة التي لاتحفل بكل هذه الشروط والظروف هي معارضة مظهرية تغلب عليها روح المراهقة السياسية وهي أحد نتاجات ظاهرة بعض احتجاجات الميادين التي لم تكن تحمل أهدافاً سياسية أبعد من هدف الإحتجاج ذاته في تكرار لميراث هيمنة الحركات التي لاتحمل برامجاً أو مشاريعاً سياسية شاملة علي احتجاجات الشوارع قبل وبعد اندلاع 25 يناير الشعبي العظيم

هل وضح المنطلق إذن ووضحت الرؤية
وتحددت المواقف دونما استطراد قد يدفع إلي الملل والحنق علي كاتب هذا المقال؟