قصة الخطاب الأخير بقلم هدير علي

أحبته كثيرا .. أحبت رقته و هدوءه .. أحبت أفكاره وأراءه في الحياة .. أصبحت تتحدث مثله دون أن تقصد .. أمنت به وبأفكاره , وجدت فيه كل شيء حلمت به .. تعرفت عليه في أحدي الندوات ..
” فريدة ” الأبنة الوحيدة المدللة لأسرتها إلا أنها لم تستخدم دلالها قط فيما يسيء لها ولأسرتها .. بل كانت راسمة ضوابط ومبادئ تسير وفقا لهم .. كانت شغوفة بالأداب والفنون .. حريصة علي حضور الندوات والأمسيات الشعرية.. ألتقيا في أحدي الندوات .. ثم تكرر اللقاء في ندوات أخري .. فقد كان “هادي ” راجح العقل .. واثق الأراء .. , فعلي الرغم من أنه لم يتعدي الثلاثون من عمره ألا أن آراءه تفوق عمره بكثير .. خطفها منذ اللقاء الأول من خلال رزانته ..أهتمامه بالثقافة وأطلاعه علي كل ماهو جديد في عالم الفن والثقافة .. كان مختلف إلي أبعد حد عن شباب جيله .. لم يكن يهوي مشاهدة المباريات .. فكان يجذبه حضور الندوات .. قراءة الكتب .. فلم يكن شغوف بما يسمي بمواقع التواصل الأجتماعي ” الفيس بوك .. وواتس .. وماشابهم من برامج ” يعتقد البعض أنها تقرب المسافات ولكن في اعتقاده هو ” بُعد المسافات يزيد المحبة بين الناس لا يقُللها ” .. تبادلا الأفكار والأعجاب أيضا , مثلما رأته مختلف فكان أيضا يرأها مختلفة كثيرا .. لم تكن متابعة جيدة للموضة ..فهي لم تكن تهتم بالموضة إلا مايليق بها من تلك الموضة .. لم تكن تهتم بمشاهدة التلفاز ولا متابعة المسلسلات كانت تهتم بما هو جديد في العالم الثقافي .. أختلافهم قرب بينهما كثيرا , فهم كانوا يختلفوا عن جيلهم ولكنهم كانوا يتشابهون في كثيرا من النواحي .. أحبها كثيرا جدا … أراد حبا مختلف أيضا مثل أختلافهم عن باقي جيلهم ولأعتقاده في ” بُعد المسافات يزيد المحبة بين الناس لا يقُللها ” فكان يكتب إليها كل يومين خطاب ويرسله إليها عن طريق البريد .. كان أختلافه يشعل حماسها له أكثر وأكثر .. ولكن كانت لاتزال متمسكة بمادئها ولكن أيمانها به جعلها تتخلي عن تلك المبادئ شيئا فشيئا , وبعد أن كانت رافضة تمام لفكرة أنها ترتبط بدون أي أرتباط رسمي ..بدأت تتنازل وتبادله في تلك الخطابات التي كان يكتبها برغم عدم اقتناعها بتلك الفكرة , بل أنها لمحت له اكثر من مرة عن عدم اقتناعها هذا ولكن كانت حجته مقنعة نوعا ما لها في البداية حينما تلمح له بفكرة الأرتباط .. فكان يقول لها دوما ” أنه لم يصل بعد إلي طموحه الأدبي والعملي الذي يريد أن يصل إليهم وكان يؤجل أي فكره للأرتباط الرسمي وغير الرسمي حتي يصل إلي طموحه ذلك حتي أنه كان يمنع نفسه حتي من مجرد الأعجاب بأي أنسانه يقابلها .. ولكنه يراها مختلفة كثيرا عن الباقي .. مختلفة لدرجة خوفه من فقدانها .. لذا أراد أن يصرح لها بحبه كي يطمئن أنها لن تكون لأحد غيره وبالفعل نجح في ذلك ولكن لم ينجح حتي ذلك الوقت في جعلها تنطق كلمة ” بحبك ” لأنها أرادات أن تحتفظ بتلك الكلمة لنفسها فهي اكتفت فقط أنها تعبربذلك فقط في تصرفاتها .. ولكنها أبت أن تقولها بلسانها .. فهي دوما كانت تحلم بأنها تقول تلك الكلمة في حفل مهيب .. يحضره الأهل والأصدقاء ..لم تريد أن تنطقها بينها وبين من تحب فقط .. دوما كانت تريد أن يشهد الجميع علي نطقها أياها وهي ترتدي فستانها الأبيض الأنيق بطرحته الطويلة جدا مثلما تخليته .. ولكن أخذ حبه يتغلل شيئا شيئا بداخلها حتي تمكن منها لدرجة أصبحت تخشي فقدانه كثيرا .. وأخذ هو يتمسك بحجته أكثر واكثر .. لم تجد هي غير ان تعبر له عن حبها كي تُشعره حقا بأنها تحبه ولكنه لم يتراجع عن حجته .. بل أخذ عدد الخطابات التي كان يراسلها تتراجع شيئا فشيء فبدلا من أرساله لها خطاب كل يومين , أصبح خطاب كل أسبوع ثم أصبح خطاب كل أسبوعين .. إلي أن أرسلت له خطابها لتتساءل عن سبب أبتعاده عنها : ” حبيبي .. يامن لا أستطيع أن أعيش بدونه .. يا من اتنفس عشقه .. غيابك أثار تساؤلات كثيرة .. ألم تشتاق إلي ؟! هل أضعت الطريق إلي ؟ّ!! ماذا فعلت كي تحرمني من نسيم خطاباتك ؟؟ أين أنت ؟!! لماذا لا تجيب ؟! لماذا لم تعد تحضر الندوات التي احضرها ؟!! اخبرني ماذا فعلت ؟!! تحياتي إلي أغلي إنسان بحياتي .. ” .. ختمت الخطاب ولكن التساءلات في عقلها لم تنتهي .. وأنتظرت خطابه .. تأمل أن ياتي خطابه ليريحها .. وينهي تلك التساؤلات التي تدور في عقلها .. ولكن جاء خطابه .. خطابه الأخير محمل بخيبة الأمل لها ولأحلامها ولمبادئها التي تخلت عنها من اجله .. فلم يبدأ خطابه بالجملة التي اعتاد ان يبدأ بها كل خطاباته لها فهو لم يبدأ خطابه ب ” يامن حطمت من أجلها كل حواجز قلبي ” ولكنه بدأ هذا الخطاب بكلمة ” اعذريني ” .. لم تصدق نفسها عندما قرأت تلك الكلمة .. تلك الكلمة التي اكدت لها كل شكوكها ولكنها أبت أن تصدق تلك الشكوك حتي تُكمل قراءة خطابة للنهاية لعلها تجد فيه ما يهون عليها تلك الفترة التي غاب فيها عنها .. لعلها تجد فيه مايهدم تلك الشكوك ويبني قصور الأمل مجددا بداخلها .. قرأت لتجده اكتفي ببعض الكلمات القليلة التي حاول أن يكتبها بالطريقة التي تحبها .. ولكنه فشل في هذا أيضا .. كتب لها يقول : – “أعذريني .. يامن أحببت .. أعذريني .. فأنني أحببتك حقا ولكن ..لا أريدك .. لأنني أحببتك ، لا أريدك .. لا أريد أن أكون أسير عشقك ..لا أريد .. أريد أن أكون حر طليق ..لا أريد قيود حبك يافتاتي .. صدقني لا أريد .. لا أريد أن أضعف أمامك .. لا أريد .. فأنا رجل يكره الضعف كثيراً .. رجل كبريائه أغلي عنده من حياته .. لا أريد أن أكون عبدا لك .. لا أريد .. لا أريد أن تسرقيني لأحلامك .. لا أريد .. أحببتك ولكن .. لا أريدك…..
.. تمت