الجزائر : الطاهر مقرودي

طيلة حياتي و انا صديق الكل أحب هذا الوطن و أحب أهله ووضعت اجمل ايام عمري في خدمته و ضيعت احلى أيامي في صنع الصورة الحسنة عنه و زرعت الأمل و البسمة في نفوس الهاربين منه و عرفت الصالح و الطالح القاصي و الداني من أجل الوطن لعلني أغير فكرة واحدة في ذهنية الفرد هي أن الوطن أكبر من أن يحمل في الجيب أو البطن أو يمثله شخصا في حد ذاته أو يرمز له بكرسي أو بفلان أو علان فهو أكبر منا جميعا فلكم حاولت أن أجمع كل المتناقضات فوجدت نفسي بعد كل هذه السنين قد زرعت كذبة في نفوس الناس اسمها حسن التدبير العربي و الصلاح عند الفاسدين و التوبة عن الأنانية التي ضيعت الأمم التي لطالما كانت مضرب المثل في نجاح تجاربها في الكثير من المجالات الحسنة الوحيدة التي أعدها في مسار سياسيينا أنهم قادرين على صنع الفارق في تلميع الواجهة لكي يجبرون الناس على مساندتهم حتى في أحلك الظروف مستخدمين أسلوب التخويف تارة من عدو محتمل أو متربص خفي في حين أنهم يلتقون بهم في عواصم الغرب و يتجرعون منهم كؤوس الذل و الخيانة لأوطانهم يلتقون بهم بعيدا عن أعيننا و عن دواليب السياسة يشترون و يبيعون و يبرمون الصفقات في ما بينهم فأي بشر هؤلاء الذين يشبهون الى حد بعيد عصابات المافيا ينظرون الى الوطن على أنه جزيرة مليئة بالعبيد المحتاجين لرغيف الذل يتعاملون معنا كعرابين و لاجئين في أوطاننا التي لم تعد كالأوطان نعاني الحرمان من كل شيء حتى من راحة البال و نعمة السلم و لحظة من فرح والمحتاجين ينظرون لأنباءهم المتعلمين و هم متحسرين على حالهم البئيس يعانون براثن البطالة المقننة وحكيمنا ينفق المال يمينا و شمالا و كأن خزائن الأرض ملك يمينه و من ماله الخاص يوزعها حيث ما شاء و أين ما حل ليس لمن يحتاجها من شعبه بل لبني شيعته و شلته الأمينة و الفقراء يقفون ضد مصالحهم يمارسون الصمت المطبق خوفا من سطوة الجبابرة أو مهللين لمن أكل رزقهم فهم مرغمين على الاحتفاظ بمناصب عملهم أو بعهود قطعوها على أنفسهم أولئك هم الأوفياء لهذا الوطن من كل الفئات و الطبقات لكي لا يتركوه يضيع بين أيدي الانتهازيين فقد يتهمون بالخيانة لمبادئ الدين و الوطن و ولاة أمورهم من قياصرة و ملوك مازالوا يستعبدون الناس كما في الجاهلية بل أكثر بقليل في حين يحتفي أعداءنا بزرع ألف خنجر في جسدنا المنهك من التخلف للتفرقة لفساد الحرث و النسل و الدنيا و الدين معا هل هذا الارهاب لم يكن صنيعة يدينا و نحن نفرق بين أبناءنا و نستمع لفلسفة الغرباء المتيقنين من حسن نوايانا و غباءنا العهود لانهم يعرفون اننا تركنا ما يحمينا من قيم و مبادئ لمن قادونا نحو المجد و صنعوا لنا تاريخا و ملاحما انقلبنا عليهم و صرنا نتعلل بتغير الوضع و الحداثة في تجاهل أصول البناء و فلسفة و حكمة من سبقنا في صنع أجمل الأشياء فينا و التي ما فتئنا نضيعها اليوم تلو الأخر فأصابتنا لعنة أجدادنا من عقوقنا لهم فلم نسد أذاننا عندما يصرخ في وجهنا مكلوما جائعا: أريد خبزا سادتي الكرام شكرا لكم السياسة تبدأ بفهم أسباب العلة قبل تشريحها و البحث عن قطعها من الأصل و المنطق يقول الحاجة أم الاختراع وفما أجوجنا الى ترك كل افكارنا البليدة جانبا و التجرد من كل ما تعلمناه ربما من مصدر غير موثوق به و الاكتفاء فقط بصفة مواطن يحتاج الى تعلم ثقافة السلم و البناء و كيفية اصلاح في نفسه ما أفسده الدهر و الابتعاد عن لغة قد لا تكون في متناول الكل لذا فليفكر كل واحد منا على قدر مستواه و يستغل كل طاقاته في صنع و بناء نفسه و تحسين حالته الاجتماعية و لنترك أمر السياسة لأصحابها و لمن هو صاحب موهبة ينوب عنا كي لا نقع فريسة الجهل و نساهم بشكل أو بأخر في هدم أساساتنا و وضع اوطاننا على طبق من دماء لمن يتربصون بنا طمعا في هذا الوطن الذي كفرنا به في لحظة سيطر علينا فيها الغضب و صرنا عميانا عوض أن نأخذ طريق المسجد أو الكنيسة للاستغفار و التوبة لعل الله يتجاوز عنا مما أصابنا به جزاء عملنا فنحن متشددين متسلطين على رقاب بعضنا البعض كل منا يحمل معولا ليهدم بيته بيديه منتحلا صفة المصلح فما احوجنا الى دكتاتور عادل يجمعنا أفضل من أن نصير كلنا جندا يستخدمنا اعداءنا دون وعي في خدمة مخططاتهم الدنيئة لنبقى نحن نعاني التخلف و الفقر و البؤس ضعافا نستورد كل ما يصنعون و نحن نفتخر أمة الأنبياء التي علمت العالم صارت تنتج مجرمين مجترفين في شتى المجالات .