قصة : نهي محمود

لا يحثها على الرحيل مغادرة الجميع، ولا يدفعها لذلك برودة الرمال تحت قدميها، ولا تستجيب لجسدها المنهك فى طلبه بعضاً من الراحة، تسير بخُطى مثابرة كأنما هو طريق تودّ الوصول إلى نهايته.
لا تنتبه إلى ضجيج السيارات على الطريق القريب منها، يسيطر على مسامعها ضحكات ذرات الماء سعادةً بوصولها للشاطئ، تُنهي رحلتها متعلقة بحبيبات رمل أملاً فى الاستقرار بها وعدم العودة، فتشاركهم ذلك الشعور بابتسامة وعين متابعة فى اهتمام.
لا تملّ النظر إليهما أبداً، تارة للبحر وللسماء تارة، متسائلة عن سر تلك العلاقة الوطيدة بينهما.
هى تُشرق بشمس، فيصفو محتضناً صورتها ودفئها عاكساً بهجتها.
هى تمتلئ بغيم، فيتعكر بلون قاتم متسماُ بمزاج سيء وتتكدر أمواجه.
فحتى ظلام الليل لا يفرق بينهما بل يزيدهما إندماجاً، كصفحتين متقابلتين فى كتاب واحد، تُزين إحداها أضواء النجوم المتناثرة مُرشدة لمن ضلّ الطريق، وتُزين الأخرى أضواء المراكب والسفن محددة خط الأفق البعيد.
“كيف لكما بمثل هذا الترابط الذى يندُر بين البشر”. كان ذلك الكلام يدور فى عقلها ولم تدرك أنه قد نطق به لسانها.
“ربما لم يلاحظا ذلك يوماً، هما بعيدان كل البعد عن بعضهما كُلاً فى عالمه، ولربما لا تقع أعيننا إلا على ما نفتقد”. التفتت إلى مصدر الصوت، لم يكن من الصعب تذكره رغم شدة الظلام وطول السنين، إنه ذلك الطفل من المدرسة الابتدائية، مازال يحمل ذات الملامح لم يغيره تجاعيد وجهه ولا شيبه.
“تذكرتنى أليس كذلك، لكن بالتأكيد لا تذكرين لى الكثير من الأشياء الجيدة فأنا أعلم كنت طفل مشاكس”
“بلى أذكر الكثير، منها تلك المرة عندما سقطتُ وجُرح وجهي وكنت أنزوي خجلة من مظهري، حينها رسمتَ على وجهك جرحاً مثله، مُدعياً أنه حقيقي، متفاخراً به، قائلاً أنه يُضفي عليك شئ من التميز”