يوما ما كانت إسرائيل محور الشرق، لم يعد الأمر كذلك، برزت قوى إقليمية عدة، حاولت إسرائيل أن تتسيد هذه القوى باسم الديمقراطية والتنمية، فشلت، فقررت حرق المنطقة بالكامل، إما ننجر للحرب ونخسر خسارة فورية، والحرب هنا ليست دفاعا عن فلسطين أو حماس بل عن مسؤولية القرار، أو نسكت ونخسر سيادتنا الإقليمية على مدى 50 عاما جديدة..

قوات أمريكا وإنجلترا تقف فعلا فوق غاز المتوسط!!

ارتكبت إدارة بايدن خطأ سيعيد العالم إلى المربع رقم صفر، بعد سنوات من التقارب الشديد ونشر بذور التعايش، التي ما إن بدأت في الطرح بين العرب وإسرائيل حتى أحرقتها حكومة بن جفير (ليس نتنياهو المحرك الفعلي).

لا أزمة في دعم الغرب لإسرائيل، لا أزمة في إرسال أسلحة، هذا ديدن العلاقات الدولية، حماس هاجمت ونجحت، وإسرائيل الآن تهاجم، الحرب كر وفر، والمواثيق الدولية لا يخفى على أحد أنها من الماضي لا وجود لها، وتوازن القوى سياسة تقود العالم منذ الحرب العالمية الثانية، ويوما ما كان الجيش الأحمرالأيرلندي منظمة إرهابية.

الخطأ الاستراتيجي هو تحدي سيادة دول ليست صغيرة ولا عدوة، ما أقدمت عليه أمريكا بإرسال قوات إلى شرق المتوسط، وتبعتها بريطانيا مستترة فيها، هو خطأ استراتيجي فادح، كارثة سياسية لن تمر مرور الكرام، المنطقة بها دول كبرى يمكنها تدبر شؤونها وشؤون جيرانها، ووجودها العسكري دون استئذان كارثة بكل المقاييس ستعاني أمريكا سريعا من تبعاتها.

دعمت أمريكا أوكرانيا من قبل الحرب، لكنها لم تجرؤ على إرسال جندي واحد إلى أرض المعركة، تخشى من روسيا، وتخشى من الأوروبيين أنفسهم أشد حلفائها، لأنهم يعرفون جيدا أن سيادة الدول ليست داخل حدودها فقط، بل في العمق الاستراتيجي أيضا، حين قصفت مصر الإرهابيين في ليبيا لم يعترض أحد، وحين قررت تركيا التواجد في ليبيا وضعت مصر خطا أحمر لها، وحين هاجم تحالف دعم الشرعية الحوثي كان بطلب من حكومة اليمن الشرعية، وفي إطار إقليمي.

هكذا تتعامل الدول ذات السيادة مع بعضها ومع جيرانها، الوجود الأمريكي استهانة بالدول العربية كلها، ومهما قيل من كلمات الود والتنسيق فهذا لا يمحو الخطأ الذي تسببت فيه فئة استشعرت الخطر من تراجع سيناريو الوجود الإسرائيلي المقلق، أو لتخف الضغط عن أوروبا، في رابع يوم للأزمة الفلسطينية هاجمت روسيا أوكرانيا بشراسة لم تحدث منذ بدء الحرب.

بدأت أمريكا مشروعا قويا ومهما بالانسحاب من أفغاستان، وتسليم مقاليد كل منطقة للدول الفاعلة فيها، وسحب الإرث الاستعماري من واجهة العالم المتحضر الجديد، لكن تجار الدم في العالم لم يرضهم ذلك، لم يوافقوا على شيوع السلام، مبيعات الأسلحة تتراجع، وأباطرة العالم يخسرون، وينتظرون فرصة لتأجيج الصراع، وحين نقول فرصة فهذا لا يعني أن هجوم حماس فخ معكوس، بل حق مشروع، لكن تجار الدم يكسبون من الحقوق أكثر مما يكسبون من الباطل، يكسبون من استغلال هذه الحقوق.

لولا القوات الأمريكية لاكتفت إسرائيل بقصف عشوائي فقط وانتهى الأمر وبدأت في التفاوض على الرهائن مثل أي دولة طبيعية، لكن تجار الدم قدموا اقتراحهم، نظرية الأمن تبدأ من الهيبة، لابد من كسر سيادة الدول المحيطة بإسرائيل، هذا يكفي كي تكون إسرائيل في امان خمسين عاما أخرى، ويمكن وقتها التفرغ لأعداء أكثر خطورة حول العالم، الخطوة الأولى إذن استعادة الهيبة، والثانية إشعال سباق التسليح، والثالثة ضمان استمرار المصالح الغربية في الشرق الأوسط قسرا وليس عبر الطرق الطبيعية التي تحكم الدول مثل تبادل المصالح.

ما يحدث من غليان عربي اليوم ليس مجرد فورة عواطف أو تضامن أعمى، الغضب العربي اليوم طال الأنظمة، حكام العرب غاضبون غضبا مكتوما، غضبا تبعته تحركات محمومة صامتة، غضبا يهدم أي ثقة بدأت تولد في المنطقة من أن التنمية هي الهدف، والمنافسة في التعايش والنمو، ثقة قتيلة في حجر دولة لقيطة أفاقت الدول حولها على أنها ستظل صاحبة الأمر والنهي، فلمَ التنافس إذن؟ هذه لحظة تساوي الحرب والسلام، الانتصار هو أن تفرض إرادتك لتحقيق مصالحك على طرف ضد إرادته.