محمد قادوس

 

توقع خبراء ومحللون مصريون، أن يواصل سعر صرف الدولار ارتفاعه في السوق الرسمي، والسوق الموازي (السوداء)، على المدى القصير، ليصل إلى مستوى 8 جنيهات، وذلك في ظل استمرار المضاربات على الدولار، وتراجع إيرادات البلاد من العملة الصعبة.

وارتفع سعر صرف الدولار، أمام الجنيه المصري، في الفترة الأخيرة بشكل مضطرد، ففي السوق الرسمي، قفز الدولار من 6.9849 جنيه مصري للشراء، و7.015 جنيهًا للبيع في 20 أبريل/ نيسان الماضي ليصل إلى 7.12 جنيهًا للشراء، و7.15 للبيع اليوم الأربعاء، وفى السوق الموازية (السوداء) ، ارتفع سعر صرف الدولار، من 7.34 جنيهًا، إلى 7.60 جنيهًا خلال ذات الفترة.

وقال وائل زيادة، مدير إدارة البحوث ببنك الاستثمار “هيرميس”، في اتصال هاتفي لوكالة الأناضول، إن تحركات الدولار في الفترة المقبلة، وعلى المدى القصير والمتوسط مرهونة، بعدة أمور على رأسها، استمرار المساعدات الخليجية، وبنفس القدر الذى شهده العام الماضي.

ولفت زيادة إلى أن توقف المساعدات الخليجية سيؤدي إلى ارتفاع الدولار أمام الجنيه، ومن غير مستبعد أن يلامس الدولار، مستوى الثمانية جنيهات، خلال فترة من 3 إلى 6 أشهر.

وبعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، تعهدت الإمارات والسعودية والكويت بتقديم مساعدات لمصر قيمتها 15.9 مليار دولار، لكن مسئولا بوزارة المالية قال في وقت سابق لوكالة الأناضول إن المساعدات العربية لمصر ستصل إلى 21.03 مليار دولار، خلال العام المالي الجاري، وذلك منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي في يوليو/تموز الماضي، وحتى نهاية يونيو / حزيران المقبل .

وأكد زيادة، أنه ليست هناك في الوقت الراهن، تطورات على المستوى الاقتصادي، أو اصلاحات على المستوى السياسي، تعطى مؤشرًا بإمكانية تحسن سعر الصرف سريعًا، موضحًا أن الانتخابات الرئاسية تحرك جيد، لكنه لن يكون كافيًا لإحداث التوزان المنشود، في سعر الصرف على المدى القصير.

وتعد الانتخابات الرئاسية، التي تجرى على مدى يومي 26 ، 27 من مايو / أيار الجاري، ثاني خطوات خارطة الطريق الانتقالية، التي أعلنها الرئيس المصري المؤقت، عدلي منصور، يوم 8 يوليو/ تموز الماضي، بعد أيام من الإطاحة بالرئيس السابق، محمد مرسي، وتشمل أيضا تعديلات دستورية (أقرت في استفتاء شعبي في يناير/كانون الثاني الماضي)، وانتخابات برلمانية (في وقت لاحق لم يتحدد من العام الجاري).

وقال زيادة، “البنك المركزي المصري، لم يعد قادرا على ضبط سعر الصرف، بالشكل المطلوب، نتيجة استمرار تراجع الإيرادات من الدولار، إضافة إلى وجود مضاربات عنيفة بالسوق”.

وأشار إلى أن العطاء الاستثنائي الذى طرحه البنك المركزي، مؤخرًا بقيمة مليار دولار كان فقط شكل من أشكال التوزيع الكمي، من قيمة محدودة، موضحًا أن هذه العطاءات كانت تؤثر بشكل طفيف على السوق الموازية، إلا أن تأثيراتها في الوقت الراهن أصبحت محدودة للغاية، مع زيادة الطلب.

وتراجع سعر الجنيه، نتيجة تضرر القطاعات الرئيسية التي تجلب العملات الأجنبية لمصر، خاصة قطاع السياحة، الذي يعتبر بجانب ايرادات قناة السويس، وتحويلات المصريين العاملين في الخارج ، المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية في مصر .

وتراجعت إيرادات السياحية في مصر 43 % ، في الربع الأول من 2014، لتصل إلى 1.3 مليار دولار. وانخفضت إيرادات السياحة في مصر، خلال 2013 بواقع 41% ، لتصل إلى 5.9 مليار دولار ، مقابل 10 مليارات دولار خلال 2010 .

ويسعى البنك المركزي المصري ، لتوفير السيولة الدولارية للبنوك المحلية، وذلك من خلال آلية العطاءات، التي يستخدمها البنك منذ نهاية عام 2012 ، ويطرح البنك حوالى 3 عطاءات أسبوعية بشكل منتظم، بالإضافة إلى العطاءات الاستثنائية.

وتجرى هذه العطاءات بنظام المزايدة، من أجل الوصول إلى قيمة عادلة للجنيه أمام الدولار.

وتبلغ قيمة العطاءات الدولارية التي طرحها البنك المركزي 8.16 مليار دولار، حتى نهاية أبريل/ نيسان، هذا إلى جانب عطاءات استثنائية قام البنك بطرحها بـ 4.2 مليار دولار.

ومن جانبه قال تامر شاكر، رئيس مجلس إدارة شركة جولدن للصرافة، وعضو شعبة شركات الصرافة بالاتحاد المصري للغرف التجارية، إن ثمة مضاربات قوية، تحدث في الوقت الراهن على سعر الدولار. وأضاف شاكر “هذه المضاربات تجرى بعيدا، عن السوق الرسمي وشركات الصرافة، إنها تجرى في السوق الموازية”.

وأوضح شاكر، أن سعر الدولار في السوق الموازية، في الوقت الراهن، كان من المفترض ألا يتجاوز مستوى 7.35 جنيها، لكن المضاربات القوية، دفعت السعر، لأن يتراوح بين 7.55 جنيهًا، إلى 7.60 جنيها.

وذكر شاكر أنه رغم ارتفاع الطلب على الدولار، بشكل طفيف في الفترة الأخيرة، إلا أنه لازال أقل بكثير من الأعوام السابقة، مؤكدا أن مستوى الطلب بشكله الحالي، لا يمكن أن يشكل ضغطًا كبيرا، ينتج عنه ارتفاع سعر الدولار، في السوق الموازية بهذا الشكل.

وفى السياق نفسه، قال الدكتور هشام ابراهيم، المحلل المصرفي واستاذ المحاسبة والتمويل بجامعة القاهرة، إن محافظ البنك المركزي المصري هشام رامز، صرح منذ أسابيع، أنه سيقضى على السوق الموازية (السوداء) في غضون ثلاثة أشهر، وأوضح ابراهيم أن هذا التعهد، من جانب البنك المركزي، يصعب تحقيقه، في ظل الظروف الحالية.

وأشار ابراهيم، في تصريحات لوكالة أنباء الأناضول، إلى أن هناك التزامات سيكون البنك المركزي، مجبرا على سدادها من الاحتياطي النقدي لمصر خلال الفترة المقبلة، وهو الأمر الذى سيؤثر على سعر صرف الدولار أمام الجنيه، موضحا أن أهم هذه الاستحقاقات، تتمثل في مبلغ ثلاثة مليارات دولار، ستسدد لقطر في نهاية عام 2014 ، ونحو 700 مليون دولار ستسدد للدول الأعضاء في نادى باريس، لابد من سدادها في يوليو/ تموز المقبل.

ويعتقد ابراهيم أن يكون هناك صعوبة في توفير هذه الالتزامات، التي يصل مجموعها إلى 3.7 مليار دولار، من الايرادات الدولارية لمصر في الفترة المقبلة، لاسيما وأن ايرادات مصر الدولارية الرئيسية من قطاع السياحة، والاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، تراجعت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، ومن ثم ستسدد الالتزامات من الاحتياطي، الأمر الذى يعكس امكانية تراجعه بشكل كبير، ونتيجة لذلك، فمن المحتمل أن يرتفع الدولار بشكل واضح أمام الجنيه المصري.

وتبلغ قيمة احتياطي مصر من النقد الأجنبي، بنهاية أبريل/ نيسان الماضي نحو 817.4 مليار دولار، وذلك مقارنة بنحو 36 مليار دولار في نهاية عام 2010 إبَان اندلاع ثورة 25 يناير، وتراجع حجم الاحتياطي النقدي، بسبب تضرر كافة القطاعات الاقتصادية، المدرة للعملة الأجنبية، وعلى رأسها السياحة.

ولم يستبعد المحلل المصرفي، وصول سعر صرف الدولار إلى ثمانية جنيهات، في السوق الموازية، وقال إبراهيم: “قد يتجاوز سعر صرف الدولار في السوق الرسمية، مستوى 7.50 جنيهًا”.

وشدد ابراهيم، على ضرورة أن يلجأ البنك المركزي، إلى سحب تراخيص العمل لشركات الصرافة، التي يثبت أنها تضارب على سعر صرف الدولار، وهو الأمر الذى من الممكن أن يحد من عمليات المضاربات.

“ارتفاع الواردات خلال الفترة الماضية، لاسيما واردات حديد التسليح والأسمنت، بعد ارتفاع أسعارهما محليا مثل عنصرا ضاغطًا على سعر الصرف، يضاف إلى ذلك استمرار تراجع ايرادات السياحة، وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وارتفاع حدة المضاربات”، وفق ما ذكره إبراهيم.

وقام البنك المركزي بتفعيل آليات، لزيادة مصادره من العملة الأجنبية ، والتي تعتمد عليها مصر في استيراد سلع أساسية ،كالقمح، والوقود، وغيرها، وكذلك سداد أقساط وفوائد مديونياتها الخارجية، ومن ضمن هذه الآليات، طرح أذون خزانة مقومة بالدولار الأمريكي، والتي استحدثت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011. وكان اخر طرح لأذون الخزانة المقومة بالدولار، في يناير 2014 بقيمة مليار دولار .

وذكر إبراهيم أن ارتفاع سعر صرف الدولار، أمام الجنيه في الوقت الراهن، ينذر بزيادات كبيرة، في أسعار السلع الغذائية، لاسيما خلال شهر رمضان، الذى يرتفع فيه استهلاك المصريين من السلع الغذائية، وأشار إلى أن هناك زيادة في طلبات فتح الاعتمادات الدولارية، لاستيراد مثل هذه السلع، في الوقت الحالي.