اعتاد أحمد حلمي على تقديم الأفلام الخفيفة ذات المعنى العميق، وهي مسيرة على حبل ممتد بين جبلين ولا شك، فأي اهتزاز في “خلطة الفيلم” ينتج عنه عمل سطحي أو على الأقل مفكك، ولن يبقى على الشاشة أمام المشاهد سوى نجمه الذي أحبه لأن الله حباه بقبول لم يهبه لكثير من الفنانين.
كأحد المعجبين بحلمي خرجت من السينما “مبسوط” بفيلم “لف ودوران”، رأيت وجوها فاجأتني مثل ميمي جمال وصابرين، ووجوها لم تفاجئني في أدوار مكرورة مثل بيومي فؤاد الذي أدى دوره نفسه في فيلم “يوم مالوش لازمة”، ودنيا سمير غانم التي كررت تجربة المؤامرة في “365 يوم سعادة”.
ذهب الإعجاب وجاء التفنيد مزعجا، فالفيلم الذي سابق الزمن للخروج إلى النور لم يخرج عن 4 أماكن، البيت والشالية والجزيرة ومرسى اللانش، حتى أن مشهد المكاتب يمكن تضمينه في المنزل بتغيرات في الديكور، على عكس تصوير فيلم مثل “عسل إسود” مثلا، الذي جال في القاهرة أكثر من أتوبيس 114.
الفكرة “اتحرقت” منذ اندلاع الأزمة بإلغاء فرح “هاني”، لكن يظل المشاهد ينتظر كيف تحدث المفارقة، ومع توقع أغلب المشاهدين بارتباط “نور” و”ليلة”، فإن صناع العمل يفاجئونا بانتهائه على مشهد شاب يركض خلف فتاة تهرب منه بيدها هاتف محمول تحاول طلب النجدة بعد انكشاف مؤامرتها عليه للمرة الثانية بالاتفاق مع سيدات أسرته (أمه وخالته وجدته وأخته)، وهذا كل شيء.
كاتبة العمل منة فوزي التي لا يعرفها “جوجل” كانت لغزا آخر، لكن حل اللغز ظهر بمجرد قراءة اسم المخرج “خالد مرعي”، الذي قدم دون شك روائع أحمد حلمي، والذي يبدو أن الأخير اعتمد عليه بنسبة 100% في خروج العمل للنور، مع “كولاج الحنين” الي أطل من عيون ميمي جمال وباروكة صابرين، لكن على رأي المثل “ماذا يفعل خالد مرعي في فيلم كتبته منة فوزي؟”.
فقر الحبكة بدا واضحا في “الحوار” و”الإفيه”، فالحوار جاء مرتبكا متقطعا بين الممثلين، يفكر كل منهم كثيرا قبل إلقاء جملته إما لأنه غير مقتنع بها وإما لأنه يضفي على تفاهتها بعضا من بريق شخصيته ورصيده، وهو ما أنقذ حلمي وصابرين وإنعام سالوسة فقط، في حين سقط الباقي في الفخ بمن فيهم بيومي فؤاد صاحب “الكاركتر” المميز، وظهر بوضوح في مشهد يفترض أنه محوري، حين بدأت ليلة في التحدث إلى نور تحت تلألؤ النجوم عن المشكلة بين الرجل والمرأة، فجاء حديثها ضعيفا متهافتا، ولو أن ضعف الحوار كان مقصودا وموظفا كفتاة بالفعل تفتعل حديثا من اللاشيء مع حبيبها لوجد الكاتب ما يبرر ذلك، عن طريق كسر نمط الشخصية وإظهارها الحكمة في موضع آخر، لكن هذا لم يحدث.
و”الإفيه” لم يكن أكثر حظا من الحوار، فلا توجد مساحات في الحوار لخلق الإفيه، إلا بعض الإفيهات التي جاءت باجتهاد شخصي من الأبطال، كان لحلمي نصيب الأسد فيها، ثم بيومي، وحسب.
في العموم، إذا كان هذا أول فيلم تشاهده لأحمد حلمي، فأعدتك أنك ستستمتع بالعمل، لكن لن تفكر أن تشاهده مرة أخرى، أما إذا كنت مثلي من المؤمنين بموهبة حلمي وينتظرون منه ما لا ينتظرونه من “أساطير” السينما، فإنك ستخرج مقتنعا بأن لكل جواد “لف ودوران”.