أسباب الثورة الفرنسية ونتائجها

في القرن الثامن عشر حدثت طفرة غيرت في مجرى الأحداث، فلم يعد هناك مجالًا للملكية، حيث الحكم المطلق والديكتاتورية، لإعطاء متنفس في المجتمع الفرنسي ليمارس لأول مرة المساواة والحكم المدني الديمقراطي والعدالة الاجتماعية.. فهي الثورة الفرنسية التي يعنينا ذكر أسبابها وما آلت إليه من خلال الواقع العربي.

أسباب الثورة الفرنسية

فترة من الاضطرابات في فرنسا، من عام 1789 وحتى 1799 آلت في نهاية المطاف إلى حدث تم اعتباره الأهم في تاريخ فرنسا بل في تاريخ العالم أجمع، فقد جاءت الثورة الفرنسية على غرار الثورة الإنجليزية التي قضت على الحكم المطلق الديكتاتوري.

لم تكن وليدة الصدفة، ولم تكن من الثورات العابرة التي لا ينجم عنها تأثير محقق، بل كانت نتاجًا لفترات عنيفة من الاضطرابات السياسية التي رافقها اضطرابات أخرى اقتصادية واجتماعية، آخذة من الأفكار الليبرالية والراديكالية مصدر إلهام، للمناداة بالحرية والمساواة وتغيير المفاهيم الحاكمة.. فلتكن راية الديمقراطية عوضًا عن الحكم المطلق المستبد.. هذا وأتت الثورة الفرنسية إثر عوامل شتى بوسعنا الإلمام بها على النحو التالي:

1- التفاوت الطبقي

اندثرت المساواة معلنة عن طبقات متفاوتة بات الاختلاف بينها مجحفًا، فبينما كانت العامة تعاني من ظلم وفساد كانت الأرستقراطية تأكل على طبق من فضة، ذلك التمايز الذي كان أدعى للثورة عليه.. فالملك وحاشيته لهم نصيب الأسد ولم يأخذ العامة إلا فتات الخبز.

فالأرستقراطيين أطلقوا على أنفسهم النبلاء، وكانوا على قمة الهرم الطبقي، مستنزفين العامة مسيطرين على أوضاع البلاد وخيراتها، فارتبط النظام الملكي بالظلم وانعدام المساواة.. في ظل غياب حقوق العامة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وهم أغلبهم من الكادحين الفلاحين والعمال.

2- الحكم المطلق المستبد

هنا نعني بالأسباب السياسية للثورة الفرنسية، فقد كان النظام الملكي أيما كان مقرونًا بغياب العدالة الاجتماعية والاستبداد بصفة مطلقة على حساب الشعب، فلم يكن هناك مجالًا لتكافؤ الفرص.. وأصبح بدلًا منه المحاباة والفساد السياسي والإداري، الأمر الذي بات يشكل أزمات ضاغطة على العامة، وهم بدورهم شرائح ليست بالقليلة في صفوف الشعب.

فضلًا عن غياب المساواة في تحصيل الضرائب، فكان العوام يدفعون الجلد والسقط، بيد أن الطبقات العليا من النبلاء والبرجوازية فوق القانون لا تشملهم العقوبات.. فلم تكن الضرائب حسب الأملاك ولم تكن واحدة في ربوع فرنسا.

3- الأزمات الاقتصادية

لا شك أن التدهور الاقتصادي بدوره مؤثرًا في الأوضاع السياسية، أما عن فرنسا فقد شهدت ما يزيد عن 15 أزمة اقتصادية في مختلف قطاعاتها، الأمر الذي عاد بالضرر على الطبقات الكادحة، في ظل غياب العدالة في توزيع الدخول، كما تراجعت ظروف السوق وانعكس الحال على العمال، وكذلك تضررت البرجوازية.

4- الصراع الطبقي

الناجم بدوره عن التفاوت، ولم لا والمصالح بين الجماعات تختلف إلى أبعد حد؟ فالبرجوازية لا زالت طامحة تحاول السيطرة، في ظل تمسك الأرستقراط بمكانتهم العليا في المجتمع والتي اتخذوها بالفطرة في مخيلاتهم، وعلى جانب آخر هناك العمال الكادحين الذين يرغبون على الأقل في الحد الأدنى من سبل العيش التي تخول لهم حياة كريمة.

هذا قبل أن يُشكل اختلاف المصالح بين الطبقات صراعًا ثنائيًا بين العامة والملكية، ويستحيل فيما بعد إلى صورته الأكثر ذيوعًا بين الاشتراكية والرأسمالية، فبينما تمثل الاشتراكية الكادحين والعمال والفلاحين كان الرأسماليين هم من يعيشون في الرفاهية.. ولم تتشكل تلك الصورة على هذا النحو إلا بعد تمكن الثورة الفرنسية من إسقاط نظام لويس السادس عشر ومن يتبعه من الإكليروس “رجال الدين” والأرستقراط.

5- زيادة الوعي 

في تلك الحقبة في فرنسا جاءت مؤلفات جان جاك روسو التي تناول فيها الحقوق السياسية جمعاء، وكللت بالمناداة بالديمقراطية، إلى جانب أفكار العقد الاجتماعي التي جاءت على لسان هوبز ولوك وغيرهم من فلاسفة ذلك العصر.

استطاعت فرنسا تحقيق قفزة نوعية في مستويات الوعي والتعليم، والدليل الإحصائي على ذلك تراجع نسبة الأمية في القرن الثامن عشر ما يقرب من 50٪، الأمر الذي ارتبط بتفكير الشعب في حقوقه المخولة إليه وفقًا للقانون أكثر من ذي قبل.. ولا يستهان بالدور الذي عنيت به الثورة الصناعية ودور العلم في زيادة وعي الحرفيين البسطاء.

كما نسلط الضوء هنا على حقيقة مفادها أن الوعي السياسي لا يرتبط بالتعليم فقط بقدر ارتباطه بالتمسك بالقومية وما يرتبط بها من مفاهيم، فعلى الرغم من أن الأمية كانت ذات نسب مهولة في دول أوروبا إلا أن فرنسا كانت ذات التعليم الأكبر من بينها، ولا شك أن الثورات لا تنشأ إلا عن وعي سياسي محقق، كما هو الحال في أسباب الثورة الفرنسية.

6- الفكر التنويري

ذلك الفكر الذي حمل مبادئ الحرية والمساواة في جُعبته، حيث نبذ التمييز والقضاء على الطبقية.. كذلك نبذ الحكم المطلق والأرسطقراطية، وفهم الشعب أن رجال الدين ما هم إلا جماعة من المستفيدين من الامتيازات مقارنةً بباقي الشعب، في ظل استحواذ الملك واستبداده، فلا مجال للتفويض الإلهي الذي كان يزعمه الملك.. لذا سُميت تلك الفترة في فرنسا بعصر التنوير، والتي جاءت على لسان مونتسكيو وروسو ونيوتن وأمثالهم.

فعلى سبيل المثال: قال رسو إن الناس متساوون كما خلقوا، ثم انقسموا إلى نبلاء وفلاحين، بناءً على الملكية والتي أصبحت هي أساس التمايز، وهي التي استتبعت الظلم والقهر والجور والمحاباة، الأمر الذي كان ممهدًا للثورة الفرنسية من الشعب الفرنسي.

7- محاكاة الثورات التحررية

تلك التي نشبت في القرن السابع عشر، حيث الثورة الإنجليزية 1688 التي قضت بدورها من الناحية الفكرية والعملية على حق الملك المطلق الاستبدادي، ليكون البرلمان المكون من “الشعب” هو من له الكلمة العليا، فأثرت في أوروبا بأسرها وتطلعوا إلى ذلك الحكم البرلماني المنصف.

كما تطلعوا إلى النتائج الإيجابية في كافة المناحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نشأت عن الثورة الإنجليزية، وكذلك الحال بصدد الثورة التحررية الأمريكية عن الإمبراطورية البريطانية، والتي كانت خير دلالة على إمكانية أن يعيش المجتمع في حالة من التعاقد.

نتائج الثورة الفرنسية

دامت الثورة الفرنسية عشر سنوات، ومرت بالعديد من المراحل، وفي نهاية المطاف ترتب عليها بعض الإيجابيات، التي بوسعنا الإشارة إليها كما ارتأينا إلى أسباب الثورة الفرنسية آنفًا.. إيجازًا فيما يلي:

  • ألغيت الحقوق الإقطاعية.. تلك التي كانت تخص النبلاء والامتيازات التي يحصلون عليها دون وجه حق.
  • من أهم ما نتج عنها هو القضاء على الحكم المطلق المستبد وعوضًا عنه تم تأسيس النظام الجمهوري.
  • تم إقرار الفصل بين السلطات على غرار ما نادى به مونتسكيو، وهنا لا يسع لأي سلطة أن تتدخل في الأخرى، وليس لها أن تنفرد بالأمر أو الرأي، فالفصل بين السلطات يخول أن يكون لكل قوة ما يجعلها قادرة على مجابهة الأخرى إن لزم الأمر، وهو من أساسيات الحكم الديمقراطي.
  • فصل الدين عن الدولة من أهم النتائج التي كان لزامًا للشعب الفرنسي أن يصل إليها، ولم لا وليس مجال بعد لرجال الدين في صدد التدخل في شؤون الحكم.
  • العمل على مصادرة أملاك الكنيسة، فليس لها أن تكتنز من الأموال دون وجه حق على حساب العوام.
  • فتح المجال أمام تطور النظام الرأسمالي ليجد ضالته في المجتمع الفرنسي ويبدأ في النشوب أمام الاشتراكية التي ستتجلى مبادئها فيما بعد.
  • أقرت الثورة الفرنسية مبدأ إجبارية التعليم، للقضاء على الأمية وزيادة الوعي بين المواطنين.. كما جعلته مجانيًا للجميع حتى لا يقتصر على النبلاء.
  • حُرر الاقتصاد من رقابة الدولة، حيث تم إلغاء الحواجز الجمركية واعتمدت مقاييس مستجدة موحدة.
  • إقرار العدالة الاجتماعية بين مختلف الطبقات وفي شتى النواحي.
  • تم تعميم اللغة الفرنسية كلغة رسمية للقضاء على أي شكل من أشكال التمييز.
  • كانت الثورة الفرنسية أسبابها ونتائجها مصدر إلهام لكثير من الأدبيات والأطروحات الصادرة عن الفلاسفة ومفكري العصر.

مهما تعددت أسباب الثورة الفرنسية فإنها تصب في السعي إلى التغيير للأفضل والمطالبة بالنظام الجمهوري، وبأي حال أتت نتائجها بثمارها المرجوّة.