كتب : اسامة عكنان / الاردن

كلما ضغطت الولايات المتحدة على تركيا، كلما دفعت بها أكثر باتجاه التقارب مع روسيا الاتحادية..

وكلما تقاربت تركيا مع روسيا، كلما ابتعدت عن أوروبا..

وكلما ابتعدت تركيا عن أوروبا، كلما حوصرت وضغطت وضاقت بأوروبا الجغرافيا السياسية للمستقبل، فخسرت من فرص استقلالها عن الولايات المتحدة..

فأميركا لا تهتم بروسيا مهما قويت، لأن موسكو لم تستطيع ابتلاع واشنطن ولا حتى تشكيل خطر استراتيجي جدي عليها، حنى وهي تقود الاتحاد السوفيتي رغم كل عناصر قوته الأيديولوجية والعسكرية..

في حين كانت آوروبا على وشك أن تفعل بعد اتساع الاتحاد الأوروبي، وظهور منطقة اليورو، وبدء معالم تشكل أبديولوجيا “الهوية الأوروبية الواحدة” مع بداية القرن الحالي..

لذلك عندما تكون تقوية روسيا هي السبيل لإضعاف أوروبا وإجبارها على استمرار القبول بالحضن الأميركي، فإن أميركا تقوي روسيا ولا تبالي..

وعندما تكون سياسة الضغط على تركيا من جهة أولى، وعندما يكون إطلاق يد روسيا في سوريا وتقييد يد أوروبا فيها من جهة ثانية، هما السبيل لتقوية الروس ولإضعاف الأوروبيين، فإن الأمريكان لا يبالون بذلك، بل يفعلونه..

المهم أن تتجسد المعادلة التالية في المربع الجيوسباسي العالمي:

“أوروبا أضعف من أميركا كي لا تتمكن من ابتلاعها، وروسيا مخيفة لأوروبا كي تبقى حريصة على الاحتماء بالحضن الأميركي، وإضعاف أوروبا يقتضي إبعاد تركيا عنها بكل الطرق”..

ولأجل ذلك، فإن تركيا ورقة أولى، والهلال الخصيب ورقة ثانية من أوراق أميركا الجبوسباسية في حوض المتوسط..

لكن لا يبدو أن الأوروبيين قادرون على فعل شيء، في ظل واقعة أن الأتراك قد بلعوا الطعم، تحت تأثير الهواجس النمطية التي تسيطر على قياداتهم في الملفين الكردي والتاريخي، اللذين أنسياهم الالتفات ولو قليلا إلى علم الجغرافيا السياسية، وإلى مكانة تركيا الإقليمية فيه، وفي ظل واقع أن الهلال الخصيب قد يحتاج إلى أكثر من ربع قرن قادم بعد أن تستقر أوضاعه ويتوقف نزيفه، كي يعود إلى دور الفاعل المؤثر في السياسة الإقليمية..

إلا في حالة واحدة هي وحدها القادرة على قلب كل المعادلات وعلى تغيير وجهة كل البوصلات، وعلى إفشال كل المخططات، ألا وهي اندلاع خرب أو ثورة في المنطقة تجعل وجود إسرائيل مهددا تهديدات جدية..

لأن المعادلات الجيوسياسية التي أشرنا إليها تتحرك جميعها حول محورية عنصر واحد ثابت لا يختلف عليه لا الروس ولا الأوروبيون ولا الأمريكان، هو أمن وأمان وبقاء واستمرار وقوة وأهمية إسرائيل..

وهو الأمر الذي يجعل كل تلك المعادلات تترنح بترنح ذلك العنصر المركزي..

فهل يمكن لحدث كهذا أن يحصل في ظل إقليم تؤشر كل مجريات الأحداث فيه على أنه يتحرك في الاتجاه المعاكس له تماما؟!