الاديب/السيد حنفي

وقفت قبالتي تتحسس بطنها, قالت بضجر :
– متى تنبت تلك الأرض الجدباء ؟
تعثرت خطواتها حين حاولت الابتعاد, قلت وأنا أعبث بأصفادي:
– حين تجد الجبال أرضا تستقر عليها..
– قد مللت هذا الحديث, وتلك الأرض.. وقد مللتك أيضا..
نكست رأسي أغمغم:
– فكي أصفادي..
– أين تريد أن تذهب ؟ لا أرض لك, لا أبناء, لا دار, لا يوجد غيري.. وأنا… آآآآآآآه يا أنا..
نهضت تولول, تطلق صرخاتها بلا ضابط, وأنا أتأمل الجبال التي تسبح على خد السماء بغير مدار, مكبل الجسد, ملقى بجوار النهر العتيق
اقتربت, قالت وهي تمسح دموعها:
– ماذا أتى بك ؟
– وددت أن أنبت في أرضك من يرعاك..
– قد جف ماؤك, وأجدبت أرضي
ابتسمت ساخرة, همست بأسى..
– بالأمس زارني الشيخ وامرأته المنقبة, أشارا نحوي وذهبا, مسلوبة الإرادة تبعتهما في طريق ضيق,على يمينه بحيرة واسعة, تمتلئ برؤوس الغرقى, وعلى اليسار شواهد قبور متناثرة, كان SmartIT القمر نصفا, الرياح لها صوت العواء, الغرقى يمدون أيديهم يحاولون جذبي إليهم, احتميت منهم بالشيخ, ربت على كتفي, أعطاني الجعران قائلا:
هذا نبتي..
التفتت نحوي المرأة وخلعت نقابها, بدا وجهها جمجمة بشعة, فزعت, تراجعت مسرعة أطبق كفي على جعران الشيخ, أتخطى بصعوبة أيدي الغرقى, وأغض نظري عن شواهد القبور, حتى سدت أمامي كل سبل الهروب, والمرأة تعدو خلفي برأسها الجمجمة, والشيخ يقف مقهقها من فزعي, اقتربت مني المرأة, قذفتها بالجعران, سقطت في البحيرة, هلل الغرقى, سقط الجعران في الماء فصمت كل شئ..
تأملت بشرتها الصفراء, تمتمت :
– الشيخ كان يريد قتلك..
– كان سينبت بداخلي زهرة..
– بلون الدم..
– لا.. بلون العشق..
صمتت برهة كأنها تستجمع شجاعتها لتتخذ قرارا, قالت:
– سأذهب إلى الشيخ..
– سيقتلك..
– سأذهب إليه..
– إذن فكي أصفادي..
بدون مبالاة همست:
– قد فككت عنك أصفادك..
تبعتها حتى دلفت من البوابة الحجرية, اخترقت الدهليز الطويل الضيق, ثم طرقت بابا خشبيا, عبرت منه, بعد برهة سمعت صراخها, ثم خرجت من الباب عارية تهرول, احتويتها بين أضلعي, تتلعثم الكلمات في حلقها, أرحتها على الأرض, خلعت عليها ما بقي لي من ثياب, أشارت بفزع نحو الباب الخشبي, جاهدت لتقول شيئا لم أستطع أن أتبينه, توجهت نحو الباب, اخترقته, رأيت الشيخ جالسا أمامه زوجته التي حاولت أن تداري جمجمتها بالنقاب, تبينت بينهما جسد طفل مهشم الرأس..
نهض الشيخ مبتسما, أعطاني كتابا صغيرا أسود اللون, تناولته بدون وعي وخرجت إليها, كانت تتوضأ بدم النفاس, هبت متنمرة, خطفت من يدي الكتاب, أسرعت خطاها إلى الشيخ..
سرت على شاطئ النهر العتيق, تناولت حفنة من طميه, تأملتها, سقطت عليها دمعتي, أنبتت عمرا جافا, أطبقت عليه كفي ثم ألقيت به إلى المياه..
أقبلت متهدلة الجسد, ذابلة العينين, مضطربة الخطى.. حين رأتني تهاوت, جلست عند رأسها, مسحت على شعرها, تأملت وجهي كثيرا, بكت, ثم نامت, نمت جوارها..
بعد ألف عام صحوت على نغمات قيثارة, أبصرتها تقف على مقربة مني وقد ارتدت ثوبا زجاجيا, تزين شعرها بزهرة لها لون العشق, ترتل الهوى آيات..
نظرت إلى أعلى, استرسلت نظراتي إلى ما لا نهاية, لا شئ هنا يرد البصر مهزوما..
ربتت على كتفي, قالت :
– أنظر أسفل..
حيث أشارت رأيت النهر العتيق قد جف ماؤه, وقد نبتت في مجراه تماثيل عملاقة يدور حولها الغرقى يصفقون بأيديهم ويطلقون صفافيرهم, على الشاطئ رأيت جسدي مقطع الأوصال وجسدها مفصول الرأس, سألتها:
– ما لهذين الجسدين..
أجابت بصوت منهزم.. :
– إنها ليست أرضنا.. قد نكون ولدنا عليها, لكنها أبدا لم تلدنا