بقلم: سيد هويدى

هذه مقدمة دراسة عن الجداريات المكسيكية.. انشرها بمناسبة الجدل الدائر حول جداريات البرلس

خلقت الجداريات المكسيكية واقعا جديدا غير مسبوق لم يكن موجودا من قبل، سواء من الناحية التقنية أو الفنية والجمالية، والثقافية باعتبارها كتب مفتوحة للفن والمعرفة، لكن بلغة بصرية، للدرجة التى تجعل “دافيد الفارو سيكويروس” واحد من أربعة فنانين مكسيكيين كبار قادوا نهضتها الفنية فى القرن العشرين ظل يردد أن اللوحات المصورة على حامل لوحات ثانوية بالنسبة للصور الحائطية، فلوحة الحامل مجرد تجارب من أجل عمل اكبر،.. ففى الوقت الذى كانت تكرس فيه أوروبا لفن تشيد اللوحة وطرق بيعها وتسويقها، ظهرت فى أمريكا اللاتينية مدرسة لفن الجداريات، تجاوزت طموح الفن الحديث وهدفه فى أن تظل اللوحة حبيسة جدران بيوت الأثرياء، والمتاحف المغلقة، يراها عدد محدود، بينما كافح فنانى المكسيك الى أن تكون الجداريات كتب مفتوحة للناس فى الشوارع.
أذن ما هى حكاية الجداريات المكسيكية التى استبدلت الرقة بالقوة، والنظرة الحالمة بالجدية والدور المحدود للوحة بفضاء واسع جديد، وارتفعت بسقف الفن الى سماء التواصل مع الجمهور، متجاوزة النموذج النهضوى (نسبة الى عصر النهضة الأوربى)، وألهبت حماس العالم من الشرق الى الغرب على مدار قرن من الزمان للدرجة التى جعلت الولايات المتحدة الأمريكية كعادتها، فى جذب المبدعين، تستقطب فنانى المكسيك لاستنساخ التجربة رغم علمها إن التجربة وأصحابها ومنبتها تنتمى الى توجهات أيدلوجية مغايرة وعلى النقيض من الأفكار السياسية الرأسمالية الأمريكية!!. لدرجة إن ديجو ريفيرا تحت الضغط حطم جدارية رسمها فى أمريكا لأنه صور فيها لينين.
قرن الشعب
لفهم الشخصية الأمريكية اللاتينية لابد من مفتاح يعبر ممرا فى الماضى، وهو ما يعبر عنه الكاتب الكولومبى خرمان أرثينيجاس حين قال: يمكن تلخيص تاريخنا عبر القرون على الوجه الاتى: ” كان القرن السادس عشر قرن الغزاة، استطاع فيه الشعب الأسبانى بزعامة قواده إن يخضع قارة بأسراها تحت حكمه. وكان القرن السابع عشرا هو قرن أجدادنا، ولد فيه شعب جديد لينعم بهذه القارة. وكان القرن الثامن عشر هو قرن رواد الحرية والمبشرين بها. وكان القرن التاسع عشر هو قرن المحررين الذين فصلوا أمريكا عن أسبانيا وابرزوا قوة الجماهير الذين انضمووا تحت لوائهم