11224269_121367524864289_677632690995340472_n
الروائية مروى على الدين

كتبت / مروى علىّ الدين
بين كلامٍ وصمتٍ تُولد الحياة، فتكون الحيوية والانطلاق في مهد الكلام، ويرقد الموت هادئًا في لُفافة الصمت، هكذا يُفكر المُبدعون المرضى بالتعبير. فالتعبير هو النظام الحيوي الصارم الذي يرفض الإنسان المُبدع أن يُحرر نفسه من التعبير في حد ذاته يتغذى على طاقة المُبدع، دمه وعظامه ، يتسرب بعدها إلى دمائه، لكن الإنسان المُبدع يُفضل الموت دون هذا العناء! فاختيار الكف عن التعبير هو صورة منصور الموت، وما الموت ؟!

العجوز يتعود الصمت، له ساعات يقضيها بين النوم واليقظة، بين القلق العارم والخوف والحيرة يسمونها هذيان. هكذا يتأهب للرحيل.

من حق كل إنسان أن يكون له روايته الخاصة يقصها من وحي خبرته وأفكاره ومعاناته وأفراحه. فالحكاية سيكسوها الكثير من التفاصيل التي سيغفل عنها مُدعو المعرفة، هذا الذي يقص أخبار الآخرين. العالم ليس بحاجة لمزيد من التكرار. والمطلوب في هذا التوقيت من دورة الزمان أن يتولى بطل الحكاية سرد التفاصيل التي عاشها لحسابه الخاص. لابُد لكلٍ واحدٍ أن يجد شيئًا ما كي يقوله، ويضُم به اسمه إلى العالم الصاخب قبل حلول عصر الصمت.

الهدف هُنا هو التعبير، والحياة عند المُبدع إن أصبحت تجربة مُعنونة الفصول بالميلاد، والشهادات الدراسية، ومناصب العمل، وعدد الأطفال، والتاريخ المرضي لن تكون قصة جديرة بالاستماع لها. والفنان كي يحيا لا بُد له من مهنة، وغالب الفنانين يتمتعون بأكثر من موهبة، وإن ( حالف أحدهم الحظ) وعاش رفاهية الاختيار سُيفضل حتما ممارسة الموهبة على العمل الروتيني. لأن العمل نفسه آجلا أم عاجلا سيُثير معنى” لماذا ؟!”.

سنأخذ على عاتقنا أن نُضيف ذواتنا إلى هذا العالم، وطرح الاختلافات بين حياتي على نحو ما عشتها وحياة الآخرين وكيف كانت . ففي مرحلة ما من العُمر كُنّا نتعلم أشياءً ما بطريقة ما، وتجاوزنا عن شيء ما لسببٍ ما، وجاء يوم ما وجدنا أن هُناك أمرًا ما، لم تواتينا الفُرصة لنتعرف عليه!! لم نتعلمه، أو نختبر مذاقه، ولم نقرأ حتى عنه.

فلتكن حياة الآخرين المتهورين من المرضى بالتعبير هي السبيل لكشف الستار عن هذا الخطر، هذا المجهول. لتكن التجربة هي الحكم.. لأن التجربة هي القيمة.. التجربة هي المعنى. التجربة العمياء رُغم الجهل والخوف والقلق هي الدرك الأسفل من المعرفة ولنرضى بالنتيجة لأننا في هذه اللحظة بالذات، سنختار.