مقال الصحفي والشاعر الكبير /حزين عمر

لأول مرة تتبوأ سيدة منصب وزير الثقافة.. جلست إيناس عبدالدائم علي مقعد ثروت عكاشة ويوسف السباعي وأحمد هيكل. لتحمل علي عاتقها مهمة ثقيلة جداً. وتضع نفسها في اختبار صعب فشل فيه من سبقها.. إذ ظلت وزارة الثقافة- طوال العامين الماضيين- في حالة غريبة من النوم العميق وسياسة الترقيع وتستيف الأوراق. والسلبية في مواجهة التطرف والإرهاب أو المشاركة بأي دور حقيقي وجاد في هذه المعركة المصيرية التي تخوضها الدولة المصرية في موجتها الدموية المستمرة منذ ثورة 30 يونيه.
ظلت وزارة الثقافة بعيدة عن المعركة. وتغط في سلبيتها. حتي بدا للمثقفين والمتابعين للعمل الوطني أن الوزارة نفسها قد ألغيت. وقال البعض إن مقعد الوزير شاغر.. ولم يقف الأمر عند حدود السلبية في زمن استثنائي فاصل في تاريخ مصر. بل فتحت أبواب كثير من هيئات الثقافة وقطاعاتها ليتسلل منها المتطرفون الإخوان والمتعاطفون معهم والمتورطون علي نصرتهم. إلي اللجان والمجالس والإدارات. وكانت الضجة التي أثيرت حول تشكيلات اللجان بالمجلس الأعلي للثقافة جرس إنذار صاخب لتسلل تيارات التطرف إلي مفاصل وزارة الثقافة. ناهيك عما يصدر لهم من كتب. وما يرتب لهم من ندوات سواء في معرض الكتاب أو غيره.. وكان طريفاً جداً ان تستخف قصور الثقافة بالعقول. وتدعي أنها تعد “مؤتمراً موازياً” لمؤتمر الإقاليم الذي عقد مؤخراً. والموازي هذا المجموعة من الندوات تعقد في كل المحافظات لمواجهة التطرف. فإذا بأكثر المتحدثين فيها من الإخوان ومن يتعاطفون معهم!!!
جفوة المثقفين!!
إيناس عبدالدايم لا تملك رفاهية الصمت أو السكينة أو الفشل. لا لأنها أول سيدة في تاريخ مصر تتولي هذا الموقع. وعليها أن تملأه بجدارة ولا تخذل المتحمسين للمرأة. بل كذلك عليها إزالة الجفوة بين المفكرين والمثقفين والمبدعين وبين وزارة ينبغي أن تعني بشئونهم وتشجع إنتاجهم وتحشدهم خلف مشروعات بناء الوطن.. وأمامها ملف ثقيل وصعب. ربما تخشي هي نفسها التعرض له. وهو ملف الفساد في كثير من مفاصل الوزارة. عليها أن تفتح ملف الإنشاءات في قصور الثقافة وغيرها من الهيئات. وملف المحسوبيات في النشر بسائر الهيئات. وملفات تشكيل اللجان بالمجلس الأعلي للثقافة وجوائزه وسفرياته وبدلاته. وتداول المنافع والمواقع بين عصبة تعشش فيه منذ سنين طويلة.. وكذلك ملف الإصدارات الفاشلة المستنزفة لأموال الدولة بدون أي عائد مادي أو معنوي. مثل مجلة “الثقافة الجديدة” ومجلة “قطر الندي” وإصدارات أخري سرية لا يعرفها إلا من يصدرونها ويرتزقون منها!!
علي وزيرة الثقافة أن تلقي نظرة علي رؤساء الهيئات والقطاعات الحاليين. فهي ليست مسئولة عن اختيارات من سبقوها. ومن حقها أن تختار مساعديها.. لأن الفشل في الأداء لم يكن مسئولية كاملة ومطلقة للوزير السابق وحده. بل لكل معاونيه والمقربين منه والمتزلقين إليه.. وبداية الخطأ تتمثل في اختيار هذه القيادات. خاصة أن الساحة الثقافية والأدبية والفنية والجامعية حافلة بالكفاءات والعلماء والمفكرين وكثيرون منهم لا يرفضون العمل العام.
ملفان ساخنان
إذا كنا نقدم إشارات للوزيرة الجديدة. فإن لها بدون شك خطتها التي ننتظر أن تعني بملفين اثنين هما: محاربة التطرف ومواجهة الفساد.. كما أن البداية-وقد فشلت الوزارة طوال ثلاثين عاماً في نشر الوعي ومحاصرة الظلامية والجهل- يمكن أن تكون بالعاملين في الوزارة نفسها. عليها أن تثقفهم هم أولاً.. فمع وجود مثقفين كبار بهذه الوزارة فانهم قلة بالنظر إلي عشرات الآلاف من الموظفين بالصدفة في هذا المجال: لا يقرأون كتاباً. لا يتذوقون مقطوعة موسيقية ولا لوحة فنية.. ولا يلمون بتاريخ وطنهم وكفاحه. لا يتواصلون مع سياسة الدولة وصراعها في محيطها الإقليمي والدولي من أجل القضاء علي المؤامرات.. علي الوزيرة أن تفيد من وجود مفكرين ومثقفين داخل الوزارة ومن غيرهم خارجها لتثقيف هذه الآلاف من الموظفين. كخطوة حتمية لنشر الوعي ومواجهة التطرف. حتي لا يتحول بعض هؤلاء الموظفين- ولو كانوا قلة- إلي بيئة مواتية لا ستشراء تنظيم الإخوان داخل هذا الكيان الكبير