د. محمد طلعت سعيد

بقلم : د.محمد طلعت سعيد

لا شك أنه توجد علاقة قوية بين الأشكال المختلفة للتجارة وتنوع طرق تسوية المعاملات الناتجة عن هذه التجارة، فكل شكل من أشكال التجارة يتماشى معه شكل معين من أشكال التسوية أو الدفع، ولقد بدأت النقود بشكل تبادلي سلعي، حيث كان الأشخاص يبادلون السلع والخدمات بسلع وخدمات أخرى، وهو ما يعرف بنظام المقايضة، ولكن مع التقدم الاقتصادي ومع عدم إمكانية إيجاد مقياس مشترك للقيم في كل الحالات عجزت تلك الطريقة عن مواكبة التقدم الاقتصادي في المجتمع،ما أدي إلى ضرورة إيجاد طريقة أخرى للوفاء بالالتزامات ، فسرعان ما ظهرت النقود المعدنية، حيث كانت تستعمل عدة معادن كالذهب والفضة والبرونز وغيرها لتعبر عن قيم معينة لإتمام العمليات الاقتصادية، ومع تميز تلك المرحلة عن نظام المقايضة , إلا أنها كانت تفرض عبئاً اقتصاديا كبيراً على الدولة، ولعل ذلك كان من أهم الأسباب وراء ظهور نظام النقود الورقية، حيث اكتفت التجارة التقليدية التي كانت تسود الاقتصاديات الأولي في ذلك التوقيت بالنقود الورقية كوسيلة لتسوية المعاملات التي تتولد عن هذه التجارة، حيث كانت النقود الورقية تمثل مجموعة من النقود المعدنية ذات قيمة ثابتة وتحمل أرقاماً صحيحة وصالحة للتداول دون صعوبة

و يثور التساؤل في الأذهان ما هو الفارق بين العملات الورقية والبلاستيكية وما هي ضرورة استعمال النقود المصنوعة من «البوليمر» ؟؟إذا ما نظرنا في جميع أنحاء العالم نجد أنه بدأ استخدام النقود المصنوعة من مادة البوليمر في أستراليا عام 1988، لتصبح بذلك أول دولة في العالم تستخدم تلك المادة في إصدار النقود، وتصدر خام «البوليمر» لعدد من دول العالم التي تمرست في استعمال تلك النقود ، منها الصين وإنجلترا والبرازيل وإندونيسيا وسنغافورة وكندا والهند وتايلاند وفيتنام وبابوا غينيا الجديدة، ورومانيا وسيرلانكا وموريشيوس و تكون في حجم العملة الورقية المتداولة، وتحمل غالبا  ذات التصميم وفقاً لفئة العملة وتتمتع بجودة عالية وهي ليست بلاستيكية بالمعني الحرفي وإنما اقوي من الورقية وبجودة أعلي .

وهي غير ضارة بالبيئة مثل العملات الورقية  المصنوعة من القطن التي تتدهور بشكل سريع بعد التداول ،كما تمتاز بانخفاض كلفة الطباعة مقارنة بالعملات الورقية والمعدنية، وعمرها الافتراضي أطول 5 أضعاف من باقي الأنواع وفقا للتقنية الاسترالية الحديثة التي تنفرد بهذا العمر الافتراضي الطويل ، كما أن من اهم مزاياها أنه يصعب تزويرها والكتابة عليها، وتقاوم العوامل البيئية مثل المياه والأتربة والرطوبة، ولا تحمل الميكروبات، وتعتبر صديقة للبيئة، ووزنها أقل، ويكون حملها وتوزيعها أسهل وفي نهاية دورة حياة النقود الورقية عادةً ما يتم تمزيقها ونقلها إلى موقع دفن النفايات، أما أوراق البوليمر التي تُسحب من التداول يتم تمزيقها وتحويلها إلى حبيبات واستخدامها في صناعة المواد البلاستيكية اليومية.

هذا وتعد الكويت أول دولة عربية تصدر نقوداً من البوليمر عام 2013، بدأت السعودية في طرح أول عملة مصنوعة من البوليمر، كما ان  البنك المركزي المصري قد اعلن بشكل رسمي انه بدء  في طباعة عملات بلاستيكية فئتي العشرة والعشرين جنيها بدار الطباعة الجديدة التابعة له بمقر العاصمة الإدارية الجديدة وهو ما يمثل تقدما ملموسا في نطاق تطبيق الإقتصاد الاخضر بعد أن  بدأ  العد التنازلي لاستقبال السوق المصري العملات البلاستيكية المصنوعة من “البوليمر”، والتي تعتبر مادة “صديقة للبيئة”، كما  سيسهل تداول العملات الجديدة في ماكينات الصرف الآلي، وبالتالي تعزز من التوجه للشمول المالي و أخذا في الاعتبار انه لن يتم استبدال النقود البوليمير الجديدة بالنقود المتداولة في السوق المحلية، وإنما سيتم تداولهما معا في السوق.

ومن المهم ايضا لنجاح تلك التجربة ان يتم التوعية المجتمعية بأهمية تلك النقود الجديدة والحث علي استعمالها وعدم الخوف منها وكذلك متابعة ردود أفعال المواطنين حولها  وقياس مدى الرضا عنها، ثم يتبعها طباعة فئات اخري من تلك العملة بمرور الوقت  والاستفادة من تجارب الدول التي شاركت فيها من قبل ونجحت في استغلالها لتقوية اقتصاداتها ومواجهة تحدياتها وهو ما نأمل أن يتحقق في مصر بإذن الله تعالي,.