بقلم : مديحة عمارة

ثلاثة أسابيع وأنا مترددة فى عرض هذه القضية كتابة .. ليس من عادتى هذا التردد ولا ما أسميه مجازا (ضعف) خصوصا إذا كانت القضية ترتبط بقضية تتعلق بشأن وطنى كما يسميها الأصدقاء المطلعون على تفاصيلها.. وضعفى أو ترددى يكمن فى أننى طرف فيها .. وإن كان الجميع حولي يرونها قضية عامة ومهم طرحها ووضعها أمام الجميع
وقصة القضية تبدأ منذ تلقيت اتصالا هاتفيا من مكتب السيد وزير الثقافة لإبلاغى بموعد مع الوزير
جلست مع السيد الوزير وتناقشنا فى البداية حول الشأن الثقافي بشكل عام

ثم استمع الوزير إلى رؤيتى لمفهوم الثقافة بمعناها الوطنى الشامل

ومدى أهمية دورها فى تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة التى أثرت تأثيرا سلبيا فى الوعى الثقافي الوطنى لدى الكثيرين خصوصا الأجيال الشابة
ومعالجة قيم قد خربت وأفكار قد شوهت
وحتمية إذا كنا نريد لمصر الجديدة أن تأخذ خطواتها الأولى إلى الإمام بشبابها وشعبها أن نعمل على مشروع يستهدف إصلاح ما أفسدته سنوات طوال فى منظومة الفكر والقيم والثقافة بمعناها الشامل

طلب منى السيد وزير الثقافة تقديم تصورا مكتوبا للمشروع بشكل تفصيلي

ذهبت إلى لقائه ثانية
وقرأ التصور مفصلا وشاملا
وأثنى عليه مشكورا .. ثم استدعى مساعد الوزير
وقدمنى له بأننى سوف أتولى مهمة رئاسة صالون الأوبرا الثقافي
ثم طلب منى إعداد برنامج مفصل للقاءات الصالون ومواضيعها محاورها
ثم أمدنى السيد مساعد الوزير بخطة مايسمى (بروتكول تعاون) بين وزارة الثقافة وعدد من الوزارات الأخرى ذات الصلة

وأعددت برنامج الصالون
وحرصت على عدم إغفال الأهداف التى طرحها (بروتوكول التعاون ) منطلقة من أن جميع مؤسسات الدولة لابد أن تتعاون جميعها فى جهودها حتى وإن اختلفت الأساليب وفقا لطبيعة كل مؤسسة وصولا إلى نتيجة واحدة تصب فى مصلحة الوطن وشعبه أولا
وفى هذا اللقاء أصدر الوزير قراره بتكليفي بمهمة رئاسة صالون الأوبرا الثقافي
ثم اجتمعت ومساعد الوزير مرتين نناقش تفاصيل تتعلق ببعض الأمور الفنية والمقترحات التى أرفقتها مع التصور
ثم طلب مساعدة الوزير كتابة خطاب للوزير للتوقيع عليه بإصدار القرار
بعدها أخبرنى مساعد الوزير أن الوزير قد وقع القرار وأرسله ومعه نسخة من التصور والبرنامج والمقترحات إلى رئيسة دار الأوبرا الدكتورة إيناس عبد الدايم لتنفيذه والاجتماع به لتحديد موعد بداية افتتاح الصالون

وظللت فى انتظار اتصال رئيسة الأوبرا لما يقرب من الثلاثة أشهر دون نتيجة
وقبل الاستطراد فيما حدث بعد هذا .. سوف أضع هنا ملخصا للرؤية والتصور الذى قدمته للوزير وأثنى عليه ووافق عليه
وعناوين أو محاور بعض اللقاءات التى وضعتها فى برنامج الصالون والتى وافق عليها الوزير وأصدر قراره وترك الأمور التنفيذية والإدارية لمساعده يتابعها مع رئيسة الأوبرا
رؤية للصالون الثقافي لدار الأوبرا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صالون ذو رؤية متكاملة
وخطة شاملة مترابطة تنطلق من المعنى الإنسانى الوطنى الشامل لمفهوم الثقافة
فالثقافة ليست فقط مايتعلق بقضايا الفكر والأدب من شعر ورواية وقصة
وليست فقط مايتعلق بقضايا الفنون من مسرح وسنيما وموسيقى وفن تشكيلي
لكنها وبجانب ماسبق تشمل جميع القضايا الإنسانية الوطنية وتضم كل جوانب الحياة السياسية والفكرية والإجتماعية والٌإقتصادية والدينية والعلمية والرياضية الى جانب القضايا الأدبية والفنية

مهام ودور الصالون الثقافي للأوبرا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فى البداية
المواضيع التى يتبناها الصالون الثقافي
وتتم مناقشاتها فى لقاءات الصالون يجب ان يكون لها ارتباط وثيق مع الرؤية الشاملة لوزارة الثقافة
بحيث يكون هناك ارتباط بقدر او بأخر بين مواضيع الصالون وروح ومضمون رؤية وخطة الوزارة
كذلك يكون هناك تعاون فى فاعليات الصالون مع فاعليات لجان المجلس الاعلى للثقافة كصرح أساسي ومهم فى المنظومة الثقافية
لكن نشاطه ينحصر فى فئة محدودة من المثقفين ولايخرج للجمهور والذى هو المستهدف
صالون مهمته محاربة القبح الفكرى والجمالي
محاربة حالة تفشي القبح التى اصابت القيم و الرؤى والممارسات والسلوكيات داخل المجتمع واستمرت لسنوات طوال حتى كادت ان تكون هى الأصل
وذلك على حساب قيمنا الجميلة التى اتسمت بها مصر على مدار تاريخها والتى كان مصدرها فى الأساس جوهر الدين ومايحمله من قيم ومعاملات
الى جانب الموروثات من عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة وسلوكياتنا التى طالما اتسمت بالرقى
والتى بتنا نراها الأن من خلال مالدينا من تراث وتسجيلات تعرضه الكتب والإصدارات الصحفية القديمة وبعض ماتبقى من تراثنا السنيمائي والتلفزيونى والإذاعى القديم
سوف نحاول محاربة هذا القبح وإحياء الجمال من خلال تقديم نماذج للأفضل والاجمل والارقى
والالحاح فى تقديمه والمثابرة على إحيائه من جديد
ويوم وراء يوم تحدث حالة الإحلال
وتتأصل قيمة الجمال داخل الإنسان منا من جديد وينتهى القبح
صالون تطرح فيه القضايا الوطنية الثقافية الشاملة
وماذا نريده لمصر الجديدة وتتشارك فيه فئات عمرية مختلفة
لتأكيد فكرة أن هناك شباب واع منتمى لوطنه لنلغى فكرة ان الارتماء فى احضان الخارج هو الاسهل والاكثر اغراءا لشبابنا
ثم نخرج من كل لقاء بتصور يشارك فيه الضيوف والجمهور ويقدم هذا التصور للجهة المنفذة المرتبطة بطبيعة موضوع اللقاء
ولم أكتف بهذا بل إننى أرفقت خطة البرنامج ببعض الترتيبات والمقترحات التى تعزز وتدعم دور الصالون كما ننشده من قبل مؤسسات اخرى تابعة للدولة وبكل التفصيلات التى لا يتسع المجال الآن لعرضها هنا
ولا أدرى لماذا كانت ترجمة ما سبق عند رئيسة الأوبرا
أنه محاولة منى للهيمنة
فأعاقت بكل الطرق والوسائل تنفيذ المشروع .. ثم وللأسف الشديد
ولا أدرى كيف يعقل هذا
جعلت الوزير يتراجع عن قراره وعن كل ما تحمس له
وما تم الاتفاق عليه
ليأخذ موقفا متناقضا تماما مع موقفه السابق وقراره الذى كان واضحا ومحددا
كيف تأتى لرئيسة الأوبرا أن تعيق وأن توقف مشروعا يستهدف تنوير وإصلاح ما أفسدته سنوات داخل عقول الشباب؟
وما هذه القدرة الفولاذية التى تمتلكها لإجهاض مشروع ليس وراءه أى مصلحة شخصية ولا ينشد إلا مصلحة الوطن ويتسق مع ما نادى به رئيس الدولة من انقاذ منظومة القيم والفكر
استطاعت هذا السيدة رئيسة الأوبرا وانصاع لها السيد الوزير
كيف وماذا فعلت؟ التفاصيل كثيرة وطويلة وأخذت ما يزيد عن الستة أشهر انتظارا وذهابا وإيابا .. وكلام لا يصدق إنه يمكن أن يخرج عن سيدة عالية الثقافة تقود صرحا ثقافيا فى مقام ورقي دار الأوبرا المصرية
أشياء لا تصدق .. ولا تسمح المساحة بسرده
منها مثلا:
نظرتها الرافضة لموضوع لقاء للصالون يناقش (الدين بين العبادات والقيم والمعاملات) ومحاوره المطروحة للنقاش هى:
إبراز جوهر الدين الحقيقي وما فيه من قيم جميلة وراقية
كيفية مواجهة ثقافة الإرهاب الديني والفكرى والعنف المتفشي والتعصب الدينى
وتعزيز ثقافة الحوار والتفكير العلمي فى مناحي الدين
دون المساس بثوابته
كيفية الانتصار للدين بجوهره الجميل الذى يعزز مبدأ التسامح والجدال بالحسنى واحترام عقيدة الآخر
فتنظر السيدة رئيسة الأوبرا إليه على أنه خارج الشأن الثقافي
ومثال آخر للقاء من لقاءات الصالون (ارعب) عنوانه رئيسة الاوبرا واعتبرته موضوعا سياسيا جالبا للمشاكل
وهى كما قالت تحرص على الابتعاد بالصالون عن اى مشاكل
ولا أدرى ما هى المشاكل فى موضوع يناقش قضية (استلاب العقل المصرى) هذا الخطر الداهم الذى استمر لسنوات طوال وجعل من شباب مصر فريسة للوقوع فى مصيدة التغريب و ( التأمرك ) بشكله الفج
أو فى مصيدة قوى الردة والتخلف والتكفير والاقصاء للاخر .. وسط حالة غياب للحضن الاصيل الذى يجب ان يضمهم ويربطهم
بقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم الاصيلة الجميلة
هل فى هذا سياسة وجلب للمشاكل ياناس
وهل فى لقاء عنوانه: (هل حقا الجمهور عايز كده؟) .. يناقش ظاهرة التردى التى طالت فننا الجميل الاصيل بما كان عليه من متعة للروح وفائدة للعقل
وكيف نعود من جديد الى وقت كانت فيه مصر هى المصدرة للفن الراقي والابداع الراقي وهى الحضانة التى تفرخ لعالمنا العربي اعظم الفنانين والمبدعين
اليس هذا فى صميم الثقافة ياناس؟
وهل لقاء يحمل عنوانا هو: (إعلام موجه ام اعلام متروك له الحبل على الغارب؟)
هل هذا اختيار جالب للمشاكل
وهل لقاء يكرم الصالون فيه فلاحة مصرية فقيرة تبرعت بالشئ الوحيد الذى تملكه وهو بيتها ليكون مركز صحى لعلاج الناس بالمجان
وتعيش بجاوره هى وابنتها داخل خيمة نصبتها ..هل يعد هذا اختيارا ليس فى محله ياناس
وغيره وغيره من مواضيع لمشروع ثقافى وطنى جامع شامل
كان الهدف فيه العمل على منظومة الوعى والعقل والفكر والقيم والرقي الإنساني وتذوق الجمال والانتماء لروح هذا الوطن وفهم جوهر وحقيقة ديننا الحنيف
للوصول الى هدف وطنى نبيل دون انتظارا لمقابل ولالهيمنة كما توهمت رئيسة الاوبرا وكما قالها ونطق بها السيد وزير الثقافة مع كل الاسف والإندهاش قائلا وامام مستشاره الإعلامى
(ده انت كده صح عايزة تهيمنى)
عن أى هيمنة يتحدث الوزير
وأى هيمنة تتخيلها رئيسة الأوبرا واوحت بها إليه
كان هذا ماقاله السيد وزير الثقافة لي وأمام مستشاره الإعلامي الذى للأسف رغم المامه بجميع التفاصيل جلس صامتا تماما
وعند هذه النقطة لم يكن أمامى إلا أن انهض معتذرة عن الصالون مكتفية بضياع مايزيد عن الستة اشهر ذهابا وايابا
والنتيجة إجهاض لمشروع يستهدف مصلحة وطن ومصلحة عقل ووعى شبابه
ثم تأتى المفاجأة عقب خروجى من مكتب الوزير
إذ باتصال يأتينى من مكتب رئيسة الاوبرا
للمرة الاولى بمبادرة منها
لإبلاغى بموعد لتقديم لقاءا واحدا للصالون يكون ضمن لقاءات الصالون الأخرى التى تقول رئيسة الأوبرا إنها موجودة بالفعل
تحدثت معها وأبلغتها أننى أبلغت الوزير اعتذاري
وختمت حديثى أننى لم يكن لى أبدا مطلب شخصي ولا سعيا لهيمنة كما هى تتخيل
وأن الوزير هو من استدعانى بناء على ماسمعه عنى ممن يعرفوننى جيدا ولست انا من سعيت
أما الجديد المؤسف: فهو أن تخرج رئيسة الأوبرا
وبعد حديثى الأخير معها واعتذارى للوزير عن الصالون بيومين
فى برنامج تليفزيونى
لتتحدث مع المذيعة عن رؤيتها للثقافة ولدور الأوبرا كمؤسسة ثقافية
وأفاجأ بأنها أخذت كل التفاصيل التى تضمنتها الرؤية التى كتبتها وقدمتها للوزير وتسلمت هى نسخة منها من الوزير ثم منى ثانية بعد ان شعرت انها لم تقرأها من الأصل
تجلس رئيسة الأوبرا أمام الكاميرا تتحدث
وتنسب كل شيء جاء فى التصور الى نفسها بنفس العبارات
وتضعه كأنه من أفكارها وأنها تعمل عليه كمشروع ثقافي وطنى
هل من مصدق ؟ عن نفسي غير مصدقة
لكنى أختم هنا بما ختمت به حديثي التليفونى معها قائلة

طالما أننا نعمل بنفس الرؤى وبنفس العقليات وبنفس الآليات والأسماء التى عملت طيلة 30 سنة من حكم مبارك دون أن يكون لها هم سوى البقاء على مقعد المنصب
ولم تأخذ مصر خطوة واحدة إلى الأمام
طالما الأمر هكذا
فعلينا للأسف التسليم بأن أى محاولة لفتح باب جديد يدخل منه نور الشمس سوف يقابل بكل الوسائل والأساليب والبطش لإغلاقه
ومنع نور الشمس وخنق أى ومضة جديدة لحياة مختلفة أكثر وعيا وأكثر حرصا على الوطن وأجياله المتعاقبة
وفى النهاية وأمام هذا الخنق للحياة لا يصبح أمامنا إلا أن نعزى أنفسنا فيك يا مصر