بيت شعر سبب نكبة البرامكة

بيت شعر سبب نكبة البرامكة كان سببًا في تغيير مجرى تاريخ العرب، البرامكة هم عائلة كبيرة من أصول مجوسية يعود نسبهم إلى جدهم “برمك” وكان من مجوس بلخ وهو عظيم المكانة والقدر بينهم، وسُمي البرامكة بذلك نسبة له.. وكانوا على علاقة قوية بهارون الرشيد، وبعد مرور فترة كان هو السبب في التنكيل بهم ونكبتهم، ويا ترى هل يعزو ذلك إلى مجرد بيت شعري؟ هذا ما نتطرق إليه من خلال الواقع العربي.

بيت شعر سبب نكبة البرامكة

نذكر أن نكبة البرامكة بدأت حينما بدأوا في استغلال المكانة التي خولها لهم هارون الرشيد، واستغلوا قربهم منه، فما كان منهم إلا نهب الأموال دون حساب، وكانوا سفهاء في الإسراف، يعيشون حياة الترف والجاه، وخير دليل على ذلك تلك القصور التي بنوها من الذهب والفضة في كثير من الولايات والمدن.

لذا لم يكونوا بالأمناء، بل تخطوا ذلك وملأوا جيوبهم من خزانة الدولة، الأمر الذي أثار سخط هارون الرشيد، وقد كان متحفظًا قبل ذلك منهم لمّا أثاروا الفتنة بين الأمين والمأمون بتكوين جيش قرابة 50 ألف جندي ولائه للفضل بن يحيى.. إلا أنه انتظر حتى أتت القشة التي قصمت ظهر البعير، والتي كانت عبارة عن بيت شعري ألقاه أحد الشعراء وسمعه هارون الرشيد.

ليت هندا أنجزتنا ما تعـد ** وشفت أنفسنا مما تجد

واستبـــدت مـرة واحـدة ** إنما العاجز من لا يستبد

اقرأ أيضًا: شرح قصيدة حسان بن ثابت في رثاء الرسول

مناسبة إلقاء البيت الشعري

بيتين من شعر عمر بن أبي ربيعة، أنشدهما المغني إلى الخليفة هارون الرشيد، وكان ذلك يسبقه حدث أثار حفيظة الخليفة، فعلى حد قول “ابن كثير” في كتابه (البداية والنهاية) فإن الرشيد عزم على شراء جارية بمائة ألف دينار، وطلب من وزيره يحيى البرمكي إرسال المبلغ، والذي بدوره ماطله.. إلا أن الرشيد أنبّه على ذلك التأخير.

كما رافق ذلك الموقف موقفًا آخر، حينما كان الرشيد في إحدى مجالس السمر، وكان أحد المغنيين ينشد أشعارًا، فأعجب الرشيد بشعره وأمر بمكافأة له 30 ألف دينار.. وعند ذهاب الرجل ليستلمها من بيت المال رفض يحيى البرمكي تسليمها له، وماطل أيضًا، فلما عاد المغني ألقى بيت شعر سبب نكبة البرامكة والذي ذكرناه آنفًا.

حيث أخذ الرشيد يُكرر الشطر الأخير من البيت الثاني مرارًا، وأحسّ أنه عاجز عن تدبير أموره في ظل وجود البرامكة، فهو واقع تحت سيطرتهم، وكيف لا وقد أمر ولم يُنفذ طلبه؟ فلا يتضح إلا أنه فاقدًا السيطرة على بيت المال، لذا طفح به الكيل وكان مجرد بيت شعر سبب نكبة البرامكة.. كما يُذكر أن هناك قصيدة أرسلت إلى الرشيد من غير توقيع أثارت حفيظة الخليفة بما تحمله من معنى، وهي:

هذا ابْنُ يحيى قَدْ غَدَا مَالكًا مِثْلَكَ مَا بَيْنَكُمَا حَدُّ

أَمْرُكَ مَرْدُودٌ إلى أَمْرِهِ وَأَمْرُهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّ

هذا حتى يضمر الخليفة الشر إلى جعفر، لذا كان رد فعله تجاهه قاسيًا.

حملة التنكيل بالبرامكة

بعدما كان بيت شعر سبب نكبة البرامكة أرسل الخليفة إلى جميع الولاة ببدء الحملة بالتنكيل بالبرامكة، حيث قام بما يلي:

  • أمر بقطع رؤوس بعضهم مثل جعفر بن يحيى
  • زج بالبعض الآخر في السجون مثل الفضل وأبيه يحيى
  • صادر أموال البرامكة كافتها
  • شردهم وجمع أموالهم إلى بيت مال المسلمين

البرامكة في عهد الرشيد

في عهد هارون الرشيد العباسي كان للبرامكة دور وحضور فعال، حيث كانت شوكتهم قوية، وقد استطاعوا التغلغل في البيت العباسي لاسيما في دار الخلافة، حيث ارتبطوا بهارون الرشيد من عدة جوانب:

  • خالد بن برمك: وزير أبي العباس السفاح
  • يحيى بن خالد بن برمك: مربيًا لهارون الرشيد ووزيرًا له بعد توليه إمارة المؤمنين
  • زوجة يحيى بن برمك: أرضعت هارون الرشيد
  • الفضل بن يحيى: أخو هارون الرشيد في الرضاعة
  • جعفر بن يحيى: الأخ الأصغر للفضل، وقد اتخذه هارون خليلًا ونديمًا له، وولاه على خراسان ومصر والشام

بناءً على ذلك الترابط كان تداخل البرامكة في الأسرة الحاكمة والتحكم في مقاليد الأمور، فتعاظم شأنهم نظير إحاطتهم بالخليفة، وعلى الرغم من ذلك كان مجرد بيت شعر سبب نكبة البرامكة.

اقرأ أيضًا: مونولوج وحشي من مسرحية الحسين ثائرا

الوشاية عن البرامكة

كان عامل الوشاية لا يُستهان به في تنكيل الخليفة بهم، حيث إن هناك من الناس من كانوا يرسلون الإشاعات المغرضة إلى الخليفة حتى يسخط على البرامكة، فقد كان يُشاع بين الناس زندقتهم وكفرهم، على أنهم يُظهرون الإسلام وما في باطنهم إلا الكفر، ولا يزالون على الوثنية.. وكان الغرض من ذلك أن يكرههم الرشيد والعامة.

فتم إيعاز الأصمعي أن يقول فيهم ما يُمكن أن يحط من شأنهم عند الناس، فقال:

إذا ذُكر الشِّرك في مَجْلِسٍ أضاءت وجوه بني بَرْمَكِ

ولو تُلِيَتْ بَيْنَهُمْ آيَةٌ أتوا بالأحاديث عَنْ مَزْدَكِ

فضلًا عن مقولات على لسان الرشيد وأبيات شعرية أخرى ممن جحد على البرامكة وانقلبوا عليهم إثر إحساسهم بغضب الرشيد عليهم، منها:

قُل للخليفة ذي الصَّنا ئِعِ والعطايا الفاشِيَهْ

وابْنِ الخَلَائِفِ مِنْ قُرَيـْ ـشٍ والملوك العاليَهْ

رأْسِ الأمور وخيْرِ مَنْ سَاسَ الأمورَ الماضِيَهْ

إنَّ البرامكة الَّذِيـ ـنَ رَمَوْا لديك بِدَاهِيَه

عَمَّتْهُمُ لك سَقْطَةٌ لَمْ تُبْقِ منهم بَاقِيَه

فَكَأَنَّهُمْ مِمَّا بِهِمْ أعجاز نخل خَاوِيَهْ

صُفْرُ الوجوه عَلَيْهِمُ خُلَعُ المذلة بَادِيَهْ

مُسْتَضْعَفُونَ مُطَرَّدُو نَ بِكُلِّ أَرْضٍ قَاصِيَهْ

ومنازلٍ كانوا بها فَوْقَ الْمَنَازل عَالِيَهْ

أَضْحَوْا وَكُلُّ مُنَاهُمُ مِنْكَ الرِّضَا والعافِيَهْ

يا آل بَرْمَكَ إنَّكُمْ كُنْتُمْ ملوكًا عاتِيَهْ

فَعَصَيْتُمُ وَطَغَيْتُمُ وَكَفَرْتُمُ نَعْمَائِيَهْ

أَجْرَى الْقَضَاءُ عَلَيْكُمُ مَا خُنْتُمُوهُ عَلَانِيَهْ

مِنْ تَرْكِ نُصْحِ إِمَامِكُمْ عِنْدَ الأمور البادِيَهْ

كما شيع أمام الرشيد علاقة جعفر بن يحيى بالعباسة أخت الخليفة، لذا إن كنا بصدد السبب الأدعى لنكبة البرامكة وتنكيل الرشيد بهم فإننا نشير إلى غيرة الرشيد الشديدة من سلطانهم، لأنهم يُظهرون التحكم فيه، فلا يُمكن أن يكون سخط الرشيد إثر سبب واحد.

بل أسباب كثيرة تداعت مع بعضها البعض إلى أن جعلته يتخذ مثل ذلك القرار المودي بحياتهم، هذا على الرغم من أن هناك من تعاطف مع البرامكة وقاموا برثائهم في غير بيت شعري، كما قال الرقاش:

هَدَأَ الخالون مِنْ شَجْوٍ فناموا وعيني لَمْ يُلَامِسْهَا مَنَامُ

وما سهري لأنيَ مُسْتَهَامٌ إذا أَرِقَ المحِبُّ المُسْتَهَامُ

وَلَكِنَّ الحوادث أَرَّقَتْنِي فَلِي سَهَر إذا هَجَدَ النيامُ

أُصِبْتُ بِسَادَةٍ كانوا نُجُومًا بِهِمْ نُسْقَى إذا انقطع الغَمَامُ

على المعروف والدنيا جميعًا وَدَوْلَةِ آلِ بَرْمَكٍ السلامُ

فَلَمْ أَرَ قَبْلَ قَتْلِكَ يا ابنَ يَحْيَى حُسَامًا فَلَّهُ السيفُ الحُسَامُ

أما والله لولا خَوْفُ وَاشٍ وَعَيْنٍ للخليفة لا تَنَامُ

 

تعددت أسباب نكبة البرامكة، وبعدما عمل هارون الرشيد على التنكيل بهم لم تقم لهم قائمة بعدها، وكانت نهايتهم محققة.