حقيقة ريا وسكينة بعد مئة عام من تزوير الحقائق

حقيقة ريا وسكينة بعد مئة عام من تزوير الحقائق قد تكون سببًا في إثارة دهشتكم بعض الشيء، فنحن دائمًا ما نربط بين الجريمة، وريا وسكينة، كوننا قد نشأنا ونعلم أن كلتا السيدتين كانتا تقومان بقتل النساء ودفنهن في المنزل، أيعقل أن ذلك لم يكن حقيقيًا، هذا ما سوف نتعرف عليه بشيء من التفصيل عبر الواقع العربي.

حقيقة ريا وسكينة بعد مئة عام من تزوير الحقائق

حقيقة ريا وسكينة بعد مئة عام من تزوير الحقائق

أيًا من الممثلات العربيات التي قامت بتمثيل دور ريا أو سكينة، هي ليست أي منهما، فهما شخصيتان قامتا بأداء الدور الذي طلب منها، لا ندري أهما على علم أيضًا بحقيقة ريا وسكينة بعد مئة عام من تزوير الحقائق، أم لا يعلمان مثلنا ما الذي حدث وكيف طمست حقيقة الأمر.

فجرت العادة في مصرنا الحبيبة أنه عندما تكون الفتاة سليطة اللسان تفكر بدهاء ومكر، ولها من الصديقات أو الأخوة من تعينها على ذلك، أن يطلق عليهما ريا وسكينة، مما يدل على أنهما كانتا من الشخصيات المنبوذة.

الجدير بالذكر أيضًا أن الأمر لا يكون مقبولًا حينما تتم مناداة أي من الفتيات بريا أو سكينة، فكأنما الأمر أشبه بوصفها بالمجرمة القاتلة التي تقوم بذلك من أجل الاستيلاء على أموال الغير، إلا أنه في حقيقة الأمر، وبعد التعرف على خبايا قضية ريا وسكينة، أعتقد أن كل الفتيات ستتمنى أن تكون مثل أي منهما.

فبعد قرن من الزمان جاءت الحقيقة التي تشير إلى أن ريا وسكينة لم تكن أي منهما سوى مناضلة، نعم، فقد كانت تقوم سكينة باستقطاب الجنود الإنجليز في فترة الاحتلال من أجل قتلهم بالتنسيق مع الجهات المصرية حفاظًا على سلام المنطقة التي يسكنونها.

فهما في أصل الأمر من صعيد مصر، وأتت كل منهما ترحيلًا إلى الإسكندرية، وقامتا بالسكن معًا في المنزل، وبدأتا حياتهما كأي امرأتين، تزوجتا من حسب الله وعبد العال، وكان كل منهما يساعد زوجته في المناضلة للتخلص من التحكم الإنجليزي.

إلا أن الأمر قد ذاع صيته ووصل إلى السلطات الإنجليزية، والتي لم تتوانى في الإيقاع بهم جميعًا، لحسن الحظ قامت التحقيقات بالتوصل إلى أن هناك آثار جثامين في بيت ريا وسكينة تعود لنساء عاهرات، إلا أن كلتا المذكورتين لا تعلما عن الأمر شيئًا، حيث أتيا من صعيد مصر واتخذتا من هذا البيت مسكنًا لهما وهما لا يعلمان بوجود جثامين مدفونة في أرضه.

استغلت السلطات الإنجليزية الأمر وقامت بتلفيق التهمة إلى الأربعة أشخاص، وحين علم ذلك وكيل النيابة آنذاك، قام بتقديم استقالته على الفور، حتى لا يساعد قوات الاحتلال في تنفيذ ما يريدون، فهو ظلم بين، وقد قام مسلسل ريا وسكينة بتوضيح أن هناك وكيل نيابة قد استقال دون الإدلاء بالسبب.

إسكاتًا لثورة السلطات الإنجليزية في ذلك الوقت، تم تعديل القانون المصري، والذي كان يشير إلى أنه لا يمكن إعدام نساء، إلا أنه تم تغيير ذلك القانون ليشمل النساء في ذلك العام، كي يتم تنفيذ الحكم على ريا وسكينة ظلمًا، إرضاء ً للقنصل الإنجليزي.

ليس ذلك فقط، فكانت ابنة ريا، والتي تدعى بديعة، هي الشاهد الوحيد على الحادث، حيث تم تلقينها كلمات من شأنها أن تثبت الواقعة على ريا وسكينة، وأخبروها أنه يجب أن تدلي بها، فإن قالتها، قاموا بالإفراج عن والدتها.

اقرأ أيضًا: أمن الغربية يكشف غموض جريمة قتل بالسنطة

أدلة براءة ريا وسكينة

هناك العديد من الأدلة التي ظهرت لتؤكد براءة ريا وسكينة من تهم القتل والسرقة التي نسبت إليهما، وعلى إثر ذلك خسرت كل منهما حياتها، حيث جاء أول الأدلة على يد السيناريست أحمد عاشور، والذي حصل على موافقة لبحث في تحقيقات القضية كي يصور فيلمًا وثائقيًا عن الأمر.

من خلال ذلك وجد تنقض كبير في معطيات القضية، والعديد من الأسئلة التي ليس لها جواب، كيف يكون الأمر هكذا، وحكم الإعدام نهائي، ولا يتم فك طلاسم القضية برمتها؟

كذلك تبين أن حفيد اليوزباشي الذي تولى القضية آنذاك يعلم أن جده قد قتل حينما حاول أن يعلن أن تلك القضية لا أساس لها من الصحة وإنها ملفقة، وبعده مسكها إبراهيم حمدي، والذي عرف عنه التواطؤ مع الإنجليز.

كذلك بعد ثبوت حكم الإعدام وتنفيذه، تم إيداع الطفلة المذكورة في دار الأحداث، تلك الدار التي تم إحراقها بشكل كامل بعد مرور أعوام قليلة، بفعل فاعل، وطمس الأمر ولم يستدل عليه، وبذلك يكون إحدى أدلة براءة ريا وسكينة قد اختفى معهما إلى الأبد.

يبقى هنا سؤالًا واحدًا، أحقًا تم تلفيق القضية وزهق الأرواح من أجل إثارة الرأي العام حينها، كي يتوجه بأنظاره صوب القضية ويترك الاحتلال الإنجليزي ينال من الوطن؟

اقرأ أيضًا: نظم معلومات الداخلية: ضبط 102 جريمة ابتزاز ونصب عبر شبكات التواصل

الرواية المتعارف عليها لريا وسكينة

على الرغم من أن حقيقة الأمر من شأنها أن تكون محزنة، إلا أن الشاشات الفضية والفن المسرحي لم يدخر جهدًا في طمس الحقيقية وزرع الأفكار المغلوطة فينا منذ قديم الزمن، فقد تم تناول قصة ريا وسكينة بأكثر من نمط، ففي البداية سنجد فيلم ريا وسكينة الذي كان يرتدي فيه البطل زي النساء السكندري ويقوم بتقليد صوت المرأة مع شريكته من أجل استقطاب الضحية.

كان من الضروري أن تكون الضحية امرأة ترتدي الكثير من الحلي الذهبية، حيث إن الأمر لم يتوقف على تصوير ريا وسكينة وكأنهما قاتلتين فحسب، بل سارقتين أيضًا، تستقطب إحداهما الضحية إلى منزلها، من أجل أن تشاهد الأقمشة التي تود شرائها، فيتم كتم نفسها وسرقة ما ترتدي والتخلص من الجثمان في إطار هزلي.

مرة أخرى تم تناول القصة على هيئة ظهور ريا بدور المرأة التي تعيش فقيرة ولا تملك قوت يومها، ومع ذلك فهي تبحث عن الحمل، حتى لا يتركها زوجها.

كذلك  سكينة هي المرأة السكيرة التي متعددة العلاقات، وتبدأ قصة استقطاب النساء من أجل السرقة والقتل، وقد راق الأمر لكلا الزوجين، فأصبح كل منهما يساعد زوجته في البحث عن ضحية جديدة، ودفنها بعد الانتهاء.

تم على أثر ذلك يتم إلقاء القبض على ريا وسكينة وزوجيهما، مع استخراج جثامين 11 امرأة، وتبعًا للأمر تم الحكم عليهما بالإعدام شنقًا، إلا أن تلك الرواية قد أوضحت العديد من النقاط الهامة التي جاءت بالفعل في حقيقة ريا وسكينة بعد مئة عام من تزوير الحقائق، مثل استقالة وكيل النيابة بعد توليه تلك القضية من أولها.

كذلك اعتراف الصغيرة بديعة برؤية والدتها وهي تقوم بقتل النساء ودفنهن، لكنها لم تقوم بذلك إلا بعدما تواطأ معها الضابط، وكأن المشهد يخبرنا أنه هناك الكثير من الجوانب التي يجب أن نبحث عن حقيقتها للتوصل إلى حقيقة ريا وسكينة بعد مئة عام من تزوير الحقائق.

مرة ثالثة قد تم تناول القضية أيضًا بطريقة طمس للحقيقة، حيث كانت ريا وسكينة فتاتين تعاني كل منهما من قهر زوجة الأب، فتقوم كل منهما بالرحيل عنها بعد وفاة الوالد، ليشتركا بعد ذلك في عدة جرائم قتل، والتي بدأت بزوجة الأب ذاتها.

إلا أن في تلك الرواية كان زوج سكينة هو أحد ضباط الشرطة المصرية، حيث حملت تلك الرواية الكثير من سبل طمس الحقيقة، وجرت الأحداث في إطار مشوق لا يخلو من إدانة ريا وسكينة بجرائم القتل العمد من أجل سرقة المجوهرات الذهبية وبيعها بسعر زهيد من أجل الحصول على المال.

فلم نشهد رواية واحدة من شأنها أن تكون حقيقية بالكامل فيما يخص قضية ريا وسكينة، بل لم نشهد أي من الروايات التي من شأنها أن تكون ناصفة لهما، وتشير إلى أنهما كانت تقومان بالمناضلة من أجل الوطن، وأنهما قد كانا كما يقال كبش فداء لأمر أكبر من كيانهما.

ليس ذلك فحسب، فلا تزال صورة ريا وسكينة الحقيقية متواجدة في المتحف المصري، على أنه لا يوجد أي كتابات تشير إلى أنهما من أبطال مقاومة الاحتلال الإنجليزي.

روايات لن تنتهي لقصة ريا وسكينة، ولكن ينبغي أن نكون على علم بالحقيقة كاملة، حتى لا يتمكن أحد من استقطاب عقولنا نحو الروايات غير الصحيحة.