11665577_10200710231355032_7401612019506897795_n

 

921597_3046073367695_499379995_o

 

 

 

 

 

 

  رؤية نقديـــــــــــــــــــــــــة

سنــــــــــــاء محيــــــــــــــدلى

ومجموعة ” زمن بعث المراثى ” للأديب محمدعبدالوارث

    بقلم الناقد الكبير / محمد محمود عبد الرازق

رغم كل الهزائم التى تلحق بنا أحياناً تظل التضحيات الفردية، التى لاتكاد تخضع حتى للنظام الكونى ذاته، بل وتتمرد عليه.. تهدينا سواء السبيل للاتبة منار حسن فتح الباب قصة بعنوان: ” بجذور ضفائرها تميد ” هى أقرب إلى القصيدة منها إلى القصة القصيرة بناء وإيقاعاً: ” ترمقهاأخر همسات الأجنةالحزينة، وتعجن من الزمن نسائم طفولة تبحث عن غياهب أخر قطرة من البحر الساكن ، وأخر قشرة من الأسماك الشهيدة الهاربة ..أخر قبو قديم فى مئذنة خرساء.. تهبط السماء الرمادية الكتوك .. تتحول عرقاً لسناء.. وتنطلق .. تشهق وراءها أخر الفراشات.. تصلى معها أخر الأضواء المتقطعة فى أظلم مدينة.. تشيعها أطراف أسلحة الأطفال الخشبية .. تمتد سناء بجذور ضفائرها وتسحب العمق المتحرك فى ميوعة الأرض المضمخة ..”
كتبت هذه القصة فى يونيو 1985_ كما ذكرت الكاتبة _ وكانت أشلاء سناء مازالت دافئة تنتفض .. فلا غرو أن ينطق المريد شعرا.
وقصة ” العُرس ” لاتعتمد _ كمعظم قصص محمد عبد الوارث _ على عنصرالحكاية أيضا . ويفتتحها بقوله : ” لما رفرفت طيور بيض صاعدة إلى السماء وكانت الرؤى ملء الأفق مغبرة سوداء ..كان الغروب يسلب الضوء من مسارب القرية والهواء ضائعاً بعطرالحشائش المحترقة .. لم يعد يسمع فى السماء صوت العصافير، وتحت غلاف الأفق يتقاطع من بعيد صدى دوى المدافع وطلقات الرصاص .. ثمان وأربعون ساعة مضت .. وميعاد العُرس كالكابوس يجثم على أفكارها، يدق أعصابها بعنف.. ” ثم ينتقل الكاتب لوصف العروس : العينان السوداوان بقعتان نجلاوان فى صفحة الوجه البيضاء. العمر يتقافز فوق الستة عشر، الأظافر تعرت من طلائها. وأختفى القد داخل الأردية الواسعة، والساقان البضتان اللتان تخلبان لب الشوارع البعيدة المزدحمة، توارت خلف الستار السميك لثوب ( السلط) فى غير تنظيم تكور الشعر السرمدى تحت ( الشطوة ) وألتف عقد ( الزناق ) الفضى حول رأسها، وعلى الصدر تعلق العقد ذا الليرات الأربع والعشرين الذهبية القديمة ميراثها الوحيد من الأم ..”
والسلط صوب فلسطينى والشطوة والعريقية غطاءان للرأس على ما يبدو من السياق، والزناق عقد يلتف حول الرأس كما ذكر ولكى يكون محمد عبد الوارث دقيقاً أصبح _ كما ذكرنا بالكلمة المسطورة على ظهر الغلاف _ مجازياً. وتشبيهاته تشبيهات صادقة غير ملاحظة فى الغالب الأعم، وإذا لوحظت فبشكل ضعيف. ومن ثم تكسبنا تأثير الأكتشاف ونقطة الداية هى الكشف والدقة. وإبداع الكاتب يتضمن الموضوع والأحاسيس والحقائق ونعمة التجربة. وتزاوج الموضوع والأحساس ينجب صورة تظهر فيها شبهة كل منهما.
الكاتب تختاره النعوت والأستعارات الجديدة، وعندما ترى هذه الأستعارات والنعوت الجديدة مستخدمة فى هذه المجموعة تحصل على قناعة حية بشكل العاطفة والجمالية الصافية التى يمكن الحصول عليها من التصوير الشعرى. والمجاز هو بداية الحكمة وهو يتدفق عنده مثل الرشح الطبيعى للأحاسيس الحية. إنه قد لايستطيع أن يوقف الأعتقادات الفكرية لكنه يحيلها _ أحياناً _ عاطفة تكمن داخلها الحقيقة. وينهى الكاتب القصة بقوله:
” زغــــرودة .. تراتيل .. وتكرار دوى .. فى داخل دائرة الحطام المشتعل وبين بقايا شرائط ملونة وبعض زهرات برية تناثرت فوق الأرض ليرات الخليفة العثمانى الذهبية ملقاة جميعها على وجه واحد، نصطبغة بلون أرجوانى، تلتمع فى بريق يتوالى …”
وبهذا نعودإلى البداية ففى عجز الفقرة التى استعنا بها من المفتتح قرأنا :
” وعلى الصدرتعلق العقد ذو الليرات الأربع والعشرين الذهبية القديمة ميراثها الوحيد من الأم ..”
وفى النهاية نعرف أن هذه القطع الذهبية عثمانية الجنسية وللعلم لم تكن” الليرة” عملة عثمانية . وقد يشير الكاتب بهذه القطع إلى تفتت دولة الخلافة، ولولا هذا التفتت لما زرع جسم غريب فى كياننا. ويتأكد ذلك إذا أستعنا بمعلومة من خارج هذه القصة ، وردت بقصة ” زمن بعث المراثى “، عندما أشار الكاتب إلى الزمن الذى كسرت فيه الأقلام، وأدعى البعض فيه الكمالات وهم غير ذلك ” وحدث هذا الأمر. فى العام الرابع والعشرين من القرن الماضى. والقطع الذهبية فى ” العُرس ” عدتها أربع وعشرون.ورغم هذا كله.. لانعتقد أن الكاتب يتباكى على الخلافة العثمانية التى كانت السبب فى انهيارنا . وفى زرع العداوة والبغضاء بين أمم البلقان. إن الكاتب _ فى زعمنا _ يتباكى على ضياع الوحدة تحت أى شكل .. ونحن لانوافقه أيضاً على أن تكون الوحدة تحت أى شكل ” …..
                                                                                                                                                                                                                                              محمد محمودعبد الرازق
                                                                                                                                                                                                                                           جريدة المساء 10\4\2000