بقلم :د.محمد دوير
تيكوبراهي [ 1546- 1601]:
بينما كانت الرغبة العائلية لتيكوبراهي تحثه علي دراسة العلوم الإنسانية , مما دفع والده إلي الحاقة بجامعة ليبزج لدراسة القانون والسياسة , كانت اهتمامات تيكو تنحو باتجاه مخالف وتتخذ لنفسها بوصلة أخري . إذ كرس جهده واهتماماته للاتجاهات العلمية وعلوم ذلك العصر ، وهي : علم الفلك والتنجيم. ولعل النقطة الفارقة في حياة تيكوبراهي وتاريخ العلم الحديث هي حصوله علي جداول لحركات الكواكب ، وساعدته ثقافته ونبوغه ومهاراته التقنية علي الاعتقاد بقصور ما في عمليات الرصد , فاندفع بروح شابة نحو إعادة الرصودات , حيث قام في العام 1563 ( بأول رصد أصيل وهام لاقتران زحل والمشتري , والذي يهتم به المنجمون اهتماماً شديداً وكان التأريخ المصنف من جداول الكواكب المستعمل آنذاك خاطئاً ، ولقد تغير من بضعة أيام إلي شهر كامل ) .
لقد أحدث تيكوبراهي وبالفعل ، ثورة حقيقية في تطوير أدوات ووسائل وطرق الرصد الدقيق العلمي المنهجي , فانشأ مراصد وصمم أدوات رصد, وظل طيلة احدي وعشرين سنة في جزيرة هفين يجمع من الملاحظات والمادة العلمية ما يفوق في حجمة أية مادة معروفة من قبل ( فكان من أوائل الفلكيين الذين ادخلوا في حسابهم انحراف الضوء وأخطاء الراصدين والآلات , ولذلك عاود أرصاده وملاحظاته مرات ومرات . وكشف عن التغيرات في حركة القمر ووضعها في صيغة قانون . وادي به التدقيق الشديد في تفقد أحد المذنبات في عام 1577 إلي الاعتقاد السائد في العالم الآن , بأن المذنبات أجرام سماوية حقيقية تتحرك في مدارات محددة منتظمة , بدلاً من كونها تنشأ في الغلاف الجوي للأرض ) إلا أنه ، علي أية حال ، كان علي قناعة بأن (علم الفلك لن يتقدم إلا من خلال الرصد الدقيق للغاية للظواهر السماوية . ولتحقيق هذا ادخل في تقنياته استخدام ” ربعيات” ضخمة ” آلات لقياس الارتفاع الزاوي ” والتي تمكن بفضلها من قياس المواقع السماوية بدقة تفوق عشر مرات قياس أي فلكي أخر . وقد أقامت تلك الدقة القياسية برهانا لا يقبل الشك علي أن السماوات قد تغيرت , وان أرسطو كان مخطئا ) .
بيد أن النقلة النوعية الهامة والفارقة كانت في العام 1572 ، عندما لفت انتباهه ظهور نجم لامع في السماء فوضعه تحت الرصد لشهور طويلة , إلا أنه لم يتحرك طوال هذه المدة , ولكن ما لاحظه هو تغير لونه من الأبيض إلي الأصفر إلي الأحمر . وكان لابد له من أن يحلل ويفسر هذه الظاهرة ويكشف عن طبيعة هذا النجم الذي أطلق عليه اسم ” النوفا Nova ” وقد أرجع ( توهجه المفاجئ إلي انفجار شئ ما كقنبلة هيدروجينية ضخمة ضخامة نجم 000 وعنف الانفجار يجعل النفايات تتحرك بتلك السرعة التي تنتج موجات إشعاعية يرصدها علماء علم الفلك الإشعاعي . هكذا يظل نجم تيخو محتفظاً بأهمية استثنائية لتقدم العلم , وبتأثيره عليه ) بحيث أضحي هذا الحادث هو مفترق الطرق بين علم جديد وعلم قديم , وما يترتب علي هذا التغير من ضرورة إخضاع ظواهر الكون للبحث والمراجعة النقدية بعيداً عن التصورات الأرسطية والنظرية البطليمية .
لقد كان تيكوبراهي ( منتبهاً إلي نقائص نظام بطليموس , ومدركاً للتقدم الذي أحرزه كوبرنيقوس واخذ بنظرية هذا الأخير مبقياً علي أن المدار دائري . لكنه رفض حركة الأرض لأسباب بعضها لاهوتية وبعضها فيزيقية . فحاول التوفيق بين النظامين البطلمي والكوبرنيكي باختراع نظام تيخو الذي حافظ علي الوضع المركزي الساكن للأرض , بينما تصور الكواكب تدور حول الشمس ) . وبالتالي فإن القيمة العلمية لتيكوبراهي تكمن في استثمار ملاحظاته الدقيقة فيما بعد من خلال يوهان كبلر .
وعلي ذلك يمكن القول أنه ( لم تكن عبقرية تيخو عبقرية نظرية . ولم يحظ بذلك النوع من الخيال الرياضي المطلوب لإحراز خطي تقدمية تفوق المفاهيم الجوهرية القديمة , علي أساس من رصوداته الخاصة . وانه لكثير جداً أن نتوقع منه عبقرية متكافئة في النظرية والرصد علي السواء , وهو علي أية حال أدرك أن رصوداته ذات تضمنات ثورية , حتى إن لم يستطع هو نفسه أن يبلغها تماما ) . لقد احتاج الأمر إلي مُنظِر جديد ، ربما حاول فك شفرات الطبيعة من خلال ملاحظات تيكو