هناء جودة

كعادته فى الأيام الصيفية يفترش الحصيرة الواسعة أمام البيت بعد صلاة العصر، نتحلق حوله أنا وأخوتي و أبناء عمي وأطفال الحارة، يحفظنا القرآن، و يحكى لنا عن الجنة و النار، عن ملائكة وفاكهة الجنة وحلواها، وأشياء يسافر معها العقل إلى هناااك، كيسه القماش مملوء دوما بالأطعمة والحلوى يجلبها معه من المدينة فى طريق عودته للبيت، يمنحها للأكثر حفظاً وتجويداً من بيننا، يثنى الصبية على الفاكهة؛ فيردد:

– فاكهة الجنة ألذ وأبقى.
عشقت الجنة من كلام جدى عنها،
– جدى أريد أن أسافر إلى الجنة كما سافر أبى..
– ماذا أعددتِ لها آيتها الجميلة؟
– أحفظ ما تتلوه علىَّ، وأحبك وأمي، وإني لأصلي يا جدي..
يتضاحك الصبية من كلماتى فأدق الأرض بقدمى ، يقول جدى:
– لم يحن الوقت بعد..
– هل يأتى قطار الجنة الى هنا ؟
فيبتسم جدي..
أدخل إلى غرفة أمي أتلو ما علمنيه اليوم من آيات فيبتسم ابى من خلف زجاج الصورة على الحائظ، ابتسم له، و أعاتبه:
– كم أحبك يا أبى ! لكني غاضبة منك، أتعيش فى الجنة و تتركنا هنا؟! تنام فى فراش من سندس و تتركنا ننام على مرتبة القطن القديمة توجعنا؟! أتأكل ما تشتهي من اللحم و الفاكهة و الحلوى و اللبن و تتركنا…؟!
الحمد لله على كل حال لكني أريد أن أرى بيتك الواسع هناك يا أبى؛ اشتقت إليك كثيراً وحافلة الجنة لم تأتِ إلى محطة قريتنا بعد.
عاد جدى من عمله محملاً بالنفحات كما كان يسميها الصبية فى الحارة، الكيس اليوم مملوء عن آخره؛ أتسابق و أخى فى كنس مكان الحصيرة على المصطبة بجوار البيت، نجتمع ولا يأتى جدى؛ أستحثه على الخروج علينا بما لذ و طاب، وأفرأ بصوت عالٍ ” الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الإِنسَانَ …” تطالبنى أمى أن أخفض صوتى فجدى نائم… فيكمل اخى بصوت خفيض حتي قوله تعالى” وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ …”
– جنتان يا جدى و ليست جنة واحدة ؟!
نتسلل جميعا إلى الغرفة التى ينام فيها ننتظر النفحة، يفتح عينيه، يناديني، يقبلني وأخي بابتسامته الملائكية. يأمرنى أن استدعي بقية الأولاد لنعقد مجلس التحفيظ حول السرير يقرأ أحدنا ” فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ .مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ” ؛ فتتسع ابتسامة جدى، يأمر أمي بتوزيع الحلوى، يخرج الأطفال للعب، ما زال جدى يبتسم، أحاول معرفة سر ابتسامته الهادئة؛ فيهمس:
– إني أرى جدتك وأباك ينادونني، ويفسحون مكاناً بجوارهم..
– لا يا جدى لا تذهب وحدك، خذنى معك..
تغيم الذكري مع دمعة سالت على خدي رغماً عني، يمسحها حفيدي ويستبقي بسمتي دون أن يسألني عن سرها، أسمع رفيف الأجنحة أتت حافلة الجنة، مع وجوههم التي يتقدمها جدى وجدتى وأبى؛ تنساب دموع حفيدي وهو يرتل:
– ” يا أيتها النفس المطمئنة..”
وفي يده لم تزل الحلوى.

هناء جودة