بقلم / محمد عزالدين

ما أن بدأ يخت المحروسة في التحرك، وبعد طلقات التحية العسكرية الأخيرة لملك مصر قبل الأخير؛ أكاد أجزم أن فاروق نظر نحو الميناء وبه إيمان أنه عائد لا محالة، كيف لا يعود؟! وهؤلاء الظباط المندفعون تأخذهم الحماسة من دون اهتمام بالبقية الباقية من العقلاء (الشيوخ) الذين يعلمون جيدا أن البلاد لن تمضي طويلا بلا قائد؛ (نجيب) نفسه كان من الشيوخ ولكن هل أراد هو الآخر عودة الملك؟! وهل مر العام ليسلم الآخر -قبل تنصيبه رئيسا (شرفيا) للجمهورية- من دون أن يفكر ولو لحظة في خطأ الإطاحة بفاروق؟! عندما تأتي من خارج الدائرة كي تترأسها عليك أن تتذكر جيدا أنها بلا رأس، وأن الجميع يدور حول المركز، ولعل هذا ما لم يدركه محمد نجيب، فظباط الحركة ولاءهم لبعضهم البعض بعد الوطن وهو لم يكن منهم بل كان واجهة لابد منها كي يرضى الشيوخ ويطمئن البسطاء من وجود كبير في النهاية، فتقمص دورا قياديا -تعلمه من فطرة الجيش- والكل ينتظر انتهاء دوره كي يأخذ جانبا أو يؤخذ إليه. مجلس قيادة الثورة الشاب الذي تخلص ضمنيا من الالتزام العسكري بتمرده على قياداته، ازداد قوة وطموحات مع مرور الأيام، تخلصوا من الملك وهم الآن عند اللحظة الفارقة (إعلان الجمهورية)؛ حين تسقط الوراثة ويحين الوقت ليحكم مصر واحد من أبنائها. ساسة ما قبل الثورة لا سيما زعيم الأمة بالوراثة الوفدية -بطل معاهدة ٣٦- النحاس باشا اختفوا تماما وغابوا عن المشهد (الخارجي)؛ للسياسة قانون أزلي مرتبط بالدستور والنظام وأحوال البلاد (الطريق إلى الكرسي إما عبر الملك والوزارة إما عبر الانتخابات والمجلس) وهم وإن كانوا أحزابا فقدت الشارع لسبب أو لآخر لكن منها من سينقذه التاريخ والصدفة، وكل ما عليهم هو الانتظار حتى يروا ما سيخرجه الظباط في النهاية من آليات -يجب أن يشارك فيها الشعب- هم أجهل بها من المخضرمين الحزبيين النواب السابقين…. ومضى الوقت ببطء والقدر ينظر نحوهم من دون أن يخبرهم بالحقيقة؛ مصر لم تعد كما كانت والشيوخ لن يعودوا. يتبع….