ما هو سبب تنكيل الرشيد بالفضل بن يحيى

ما هو سبب تنكيل الرشيد بالفضل بن يحيى؟ لأن الأسرة الفارسية وقفت إلى جانب العباسيين عندما ثاروا على الأمويين لإقامة الدولة العباسية، نال أفرادها هيمنة وسيطرة بفضل دورهم هذا، لاسيما في عهد هارون الرشيد، والذي بدوره قام بتعيين أفراد من البرامكة في مناصب عليا بالدولة.. ولم لا وهم أصحاب الفطنة والكياسة والذكاء والعلم؟ وفي الواقع العربي يسعنا أن نوافيكم بالمزيد.

ما هو سبب تنكيل الرشيد بالفضل بن يحيى؟

يُذكر أن الفضل بن يحيى كان قريبًا من هارون الرشيد هو والبرامكة جميعًا، إلا أن التاريخ يذكر أن الرشيد تغير عليهم ونكبهم وقتل جعفرًا واعتقل أخاه الفضل وأبيهما يحيى، حيث قد سجن هارون الرشيد الفضل بن يحيى أيام نكبة البرامكة في عام 187 وكان حينئذٍ عنده في بغداد، فقبض عليه هو وأبيه وسجنهما وصادر أموالهما مع أموال البرامكة جميعًا، وقد كان الفضل ينشد أبياتًا في سجنه قائلًا:

“إلى اللهِ فيمـــــا نالَنا نرفعُ الشَّكوى .. ففي يدِهِ كشفُ المضرَّةِ والبلوى

خرجْنَا مِنَ الدُّنيا ونحنُ مِنْ أهلِها .. فلا نحنُ في الأمواتِ فيها ولا الأحيا

قد توفي الفضل في سجنه في الرقة وكان في شهر محرم عام 193 هجريًا، ولما علم الرشيد بخبر موته قال: “أمري قريب من أمره وكذا كان“.. وكان سبب تنكيل الرشيد بالفضل بن يحيى مختلفًا وفقًا للمؤرخين، فجاءت الأسباب:

  • زواج العباسة من جعفر أخو الفضل بن يحيى، وإنجابها صبيًا كان سببًا في أن يُضمر الرشيد السوء للبرامكة.
  • أن جعفر بن يحيى أطلق سراح من خرج على الرشيد.
  • قيل إن الرشيد بعدما اطمأن إليهم نظر إلى مساوئهم، لاسيما جعفر والفضل دونما أن يشمل بعدائه أبيهم يحيى لأنه كان الأكثر حكمة وخبرة.

كما يُمكن أن يعزو سبب تنكيل الرشيد بالفضل بن يحيى أنه قد جعل الفضل عاملًا على خراسان، وأقام بالفعل فيها، إلا أن هناك من أخبر الرشيد أن الفضل مشغول باللذات والصيد على حساب أمور الرعية وأحوالهم، فاستشاط الرشيد غضبًا وأخبر أباه “يحيى” قائلًا:

يا أبت، اقرأ هذا الكتاب واكتب إليه بما يردعه عن هذا”، فأرسل يحيى إلى ابنه الفضل على ظهر الكتاب: “حفظك الله يا بني وأمتع بك، قد انتهى إلى أمير المؤمنين مما أنت عليه من التشاغل بالصيد ومداومة اللذات عن النظر في أمور الرعية ما أنكره، فعاود ما هو أزين بك، فإنه من عاد إلى ما يزينه أو يشينه لم يعرفه أهل دهره إلا به، والسلام”.

كما كتب في أسفل ظهر الكتاب بضع أبيات قائلًا فيها:

انصَبْ نهاراً في طِلاب العُلا .. واصبرْ على فقدِ لِقاءِ الحبيب

حتَّى إذ الليـلُ أتى مقبلاً .. واستترَتْ فيه وجوهُ العيوب

فكــابدِ اللَّيلَ بما تشتهي .. فإنَّمــــــــا اللَّيلُ نهارُ الأريب

كم مِنْ فتى تحسبُهُ ناسكاً .. يستقبلُ اللَّيلَ بأمرٍ عجيب

غطَّى عليه اللَّيلُ أستارَهُ .. فباتَ في لهوٍ وعَيْشٍ خصيب

ولَذَّةُ الأحمـــقِ مكشوفـــــةٌ .. يسعى بها كُلُّ عدوٍّ رقيب

ما لبث الفضل بعد قراءة رسالة والده إلا أن أسرع إلى المسجد ولم يفارقه حتى انصرف إلى عمله.

قرابة الفضل بن يحيى بالرشيد

إن أم الفضل بن يحيى يُذكر أنها أرضعت الرشيد، لذا كان يناديه الرشيد “يا أخي” فهما متقاربان في النسب، وأمه هي “زبيدة” وكانت من مولدات المدينة.. علاوة على أن أم الرشيد وهي “الخيزران” أرضعت الفضل، لذا كانا أخوين في الرضاعة، يُذكر في سبب تنكيل الرشيد بالفضل بن يحيى أن الرشيد قد صرف عنه الأعمال التي كان يتقلدها، ومن ثم سخط عليه ونزع منه كل ما يملك.. وذلك في عام 183 هجريًا.

نكبة البرامكة

تلك النكبة التي ارتبطت بسبب تنكيل الرشيد بالفضل بن يحيى، حيث تعزو إلى دافعين عند الرشيد:

  • دافع مالي: لأن البرامكة استبدوا بممتلكات الدولة ومالها.
  • دافع سياسي: اتضح للرشيد بعد سنوات أن البرامكة باتوا يشكلون خطرًا على دولته لاسيما بالنظر إلى ميولهم العنصرية.

على أن الوشاية لا يُمكن إغفال دورها في التأثير على هارون الرشيد حتى يوقع بالبرامكة، فقد كان لهم خصومًا يحاولون اغتنام الفرص حتى يثيرون شكوك أمير المؤمنين ضدهم، وهو ما دفعه إلى العزم بحبسهم وقتلهم.. كذلك بحسب الروايات التاريخية فإن البرامكة لاحظوا مسبقًا أن الخليفة قد تغير عليهم، ولم يعد معهم كسابق عهده، فلم يرضَ عنهم.. فأسباب النكبة يُمكن إيجازها على النحو التالي:

العباسة من أوصلت جعفر بن يحيى إلى نهايته المشؤومة مع هارون الرشيد أخيها.
جيش البرامكة الذي كونه الفضل بن يحيى في خراسان، وقد جعل ولائهم له مباشرة بدلًا من الولاء للعباسيين.
أصل البرامكة باعتبارهم من المجوس قبل الإسلام، لذا فهم يحاولون إظهار الزندقة.. وأنهم يُظهرون الإسلام ويُبطنون الكفر والأوثان.
الفضل بن الربيع من أوشى بالبرامكة وهو يعاديهم عند الرشيد، وكان بدوره سبب تنكيل الرشيد بالفضل بن يحيى.
ترف البرامكة فكانوا يبنون القصور بحوائط من الذهب والفضة، الأمر الذي جعل الرشيد يتابعهم في الدواوين والكتابات.
حادثة يحيى بن عبد الله من خرج إلى بلاد الديلم وبايعه الناس فأرسل له الرشيد الفضل والذي استطاع أن يستنزله ووفر له الأمان، إلا أنه لم يفِ بالعهد مما شكل خيانة عظمى عند العباسيين كان سببها الفضل.

صفات الفضل بن يحيى

الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك، وكنيته “أبو العباس البرمكي” والذي ولد في 23 ذي الحجة سنة 147 هجريًا، ينتمي إلى البرامكة الذين هم أعضاء أسرة فارسية مجوسية، كانوا يقومون على خدمة النار قبل الإسلام، ويعود نسبهم إلى “برمك” وهو المجوس في بلخ الذي كان يخدم النوبهار (معبد للمجوس توقد فيه النار) وقد كان عظيم القدر عند أهله وذويه.

كان الفضل بن يحيى من أكثر البرامكة في الجود والكرم، علاوة على فصاحته البلاغية، وقد أثار جدل المؤرخين في مسألة كرمه، فقد كان سخيًا على الشعراء والكتاب لكن من خزينة الدولة فلم يقترب إلى ماله الخاص.

هذا علاوة على شدة كبريائه وتكبره، وتلك الصفة جعلته محلًا للنقد من أهله وذويه، فكان يقول لهم: “إنَّه تشبَّه بعمارة بن حمزة مولى بني العباس في كِبره، حتى صَار لي خُلُقَاً لا يتهيأ لي مفارقته“، لكن والده عادة ما كان يقول له معاتبًا إيّاه: “إنَّ البُخل والجَهل مع التواضُع، أزين للرَّجُلِ من الكِبْرِ مع السَّخاء والعِلم”.

من الجدير بالذكر أن نشير إلى ما قاله مروان بن أبي حفصة مادحًا الفضل بن يحيى: “كفى لك فضـــــــــلاً أنَّ أفضـلَ حــــرَّةٍ .. غذتْكَ بثديٍ والخليفـــــةَ واحِــــدِ، لقد زِنْتَ يحيــى في المشـاهدِ كُلِّهـــــا .. كما زانَ يحيى خالداً في المشاهِدِ“.

على الرغم من أن البرامكة عرف عنهم صفات كالذكاء والفطنة والجود.. إلا أنهم كانوا يميلون إلى التقليل من شأن العرب، ويفتخرون بكونهم من الفرس.