مراحل الثورة البلشفية

مراحل الثورة البلشفية كانت من أهم انتصاراتها إسقاط أعتى الأنظمة العالمية آنذاك، بقيادة الجماهير العمالية والطبقات الكادحة الذين نادوا بحيز من المساواة والعدالة، لتكون الثورة الروسية هي مصدر الإلهام ونقطة الانطلاق للعديد من الحركات الثورية في بلدان العالم، وفي الواقع العربي سنوافيكم بتلك المراحل تفصيلًا.

مراحل الثورة البلشفية

على الرغم من أن الطبقة العاملة الروسية كانت لا تزال أقلية، إلا أنها استطاعت أخذ زمام المبادرة في التخلص من النظام القيصري، والذي سقط إلى الأبد وأسس عوضًا عنه نظام جديد لم يكن مشهودًا من قبل، “نظام اتحاد المجالس السوفيتية” ذلك القائم على “ديكتاتورية البروليتاريا” والذي تمركز على الفلاحين والعمال.. وقد مرت الثورة الروسية بعدة مراحل من شأننا الإشارة إليها تباعًا فيما يلي:

المرحلة الأولى: الموجة الثورية الأولى 1905

موجة من الهبّات والاحتجاجات الجماهيرية أثرت على الحياة الاجتماعية والسياسية في روسيا أثناء حكم الأباطرة بقيادة آل رومانوف، حيث اعتصم الفلاحون والعمال مطالبين بالإصلاحات، ليشكلون في النهاية حركة شعبية أثرت على مجرى الأحداث، وما كانت إلا حصيلة تراكمية من العوامل الداخلية والخارجية، شمل أولًا الوسط العمالي ومن ثم اتسع بقية الشرائح المجتمعية.

طالب العمال برفع الرواتب وتحسين مستوى المعيشة، ثم قام أعضاء الحزب الشيوعي الثوري ببعض الاغتيالات للمسؤولين، ولم تفلح الحكومة في وأد تلك اللحظات الحرجة، والتي تمركزت دوافعها على المشكلة الزراعية ومشكلة الأيدي العاملة وكذلك مشكلات الجنسية والطبقات المتعلمة، وعليه كان لكل ذلك أبعاد مجتمعية، وإثر الوعي السياسي من العامة كانت مقدمة حتمية للثورة.

حيث صعدت المعارضة السياسية إلى القيصر، وتمت المطالبة بالملكية الدستورية، وتلى ذلك وتيرة من الاعتصامات، حيث ازدادت حدة المطالبات الثورية، على النحو التالي:

السنة متوسط الاعتصامات السنوية
1862 – 1869 6
1870 – 1884 20
1885 – 1894 33
1895 – 1905 176

اندلعت الشرارة الأولى بحشد العمال في جمعية تحت رعاية الداخلية للمطالبة بحقوقهم، ونظموا مسيرة سلمية متجهة إلى القيصر، إلا أن الحرس الإمبراطوري أطلقوا النار على المتظاهرين، الأمر الذي أدى إلى مذبحة عرفت باسم “الأحد الدامي” حيث شهد مقتل ما بين 200 إلى 1000 متظاهر.

في محاولة لامتصاص غضب الشعب العارم تمت الموافقة على إنشاء مجلس الدوما، كمجلس تشريعي وطني إلا أنه كان استشاريًا فحسب، لذا اشتدت الثورة أكثر، وهنا نذكر (بيان أكتوبر) والذي يعتبره المؤرخون من المحطات الهامة في مراحل الثورة البلشفية إذ كانت له انعكاسات طويلة الأمد لكونه متعلق بالحريات المدنية، فكان لأول موجة ثورية تبعات لعل أهمها إصدار الدستور الروسي 1906 وسرعان ما عادت سياسة الكبت ثانية.

المرحلة الثانية: الثورة البلشفية 1917

فالمرحلة الثانية للثورة الروسية تكللت بانتصار البلشفيين، الذي جاء في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وبعد التخلص من حكم القياصرة بدأت فترة قصيرة الأمد اتسمت بالصراع المحتدم بين القوة الثورية وهي التي مثلت العمال وبين الحكومة ذات الدور المؤقت إلى حين تسليم السلطة للبرلمان.

بدأت علاقة معقدة في النشوب بين السوفييت والحكومة، فبينما ترى الحكومة منع أي تدخل في أعمالها حتى لا يحدث ثنائية للسلطة، كان هناك توصيات من السوفييت بالسيطرة، فنشأت حالة من العصيان المدني.. وحدثت ثورة فبراير التي جددت آمال لينين في حدوث ثورة ماركسية لتأسيس نظام شيوعي ثوري.

استطاع لينين من خلال اللجنة الثورية العسكرية أن يُسقط الحكومة المؤقتة وبعدها قام أعضاء الجيش الأحمر بالاستيلاء على قصر الشتاء الذي كان محل إقامة القيصر ثم كيرينسكي، وتشكل برلمان السوفييت من 300 من البلاشفة ومائة من الاشتراكيين الثوريين، وكان أنصار الاشتراكية الثورية رافضين ما قام به البلاشفة من استيلاء غير قانوني على السلطة، لذا انقسموا فيما بينهم.

لكن في نهاية المطاف انتصر البلاشفة واستولوا على العاصمة، وقاموا بدعوة القوى المعادية للانضمام للحكومة السوفيتية، وتوسعت سيطرتهم في المناطق التي تجمع العروق الروسية، وعلى الرغم من هذا إلا أنهم واجهوا صعوبات في الحصول على الحكم الذاتي.. ربما يعزو انتصار البلاشفة إلى العوامل التالية:

  • السياسة الحاسمة للزعيم “لينين” في التعامل مع الأخصام والمعارضين، فكان لذلك أثر في ضبط الحزب وضبط البلاد، حتى لا يكون هناك فرصة لأي ثورة مضادة.
  • حصول البلاشفة على دعم الشعب، لاسيما الطبقات المهمشة من أقليات وعمال، فاستعدوا للتضحية من أجلهم، أملًا في أن يحقق لينين وعوده.. في ظل اعتبار الحركة البيضاء امتدادًا للنظام القيصري الطاغي.
  • كان الفكر البلشفي خلاصة تجارب الاشتراكية الفاشلة، فكان لفشل الموجة الثورية الأولى فضل في نضوج الفكر السياسي للبلاشفة، لتكون تكتيكاتهم الميدانية أفضل.
  • النظرية الشيوعية المستقاة من الفكر الماركسي كانت متماسكة ومستعطفة لمشاعر الشعب لاسيما طبقات البروليتاريا.
  • حسن تنظيم البلاشفة وقوة تأثيرهم رغم قلة عددهم، الأمر الذي استتبع انضمام كتائب الجيش الروسي إليهم.

المرحلة الثالثة: الحرب الأهلية 1918 إلى 1923

مرحلة أخرى من مراحل الثورة البلشفية تعكس ما آلت إليه الشيوعية من خراب وتدمير، فكانت الحرب الأهلية أمر حتمي في ظل قيام البلاشفة بحل الجمعية التأسيسية 1918 والحكومة الجديدة قامت باستعمال سياسة القبضة الحديدية، واتخذت الحرب الأهلية بدورها عدة مراحل:

المرحلة الأولى 1917 إلى 1918 بداية تشكيل وتنظيم الجيوش وتوسعها
المرحلة الثانية 1918 إلى 1920 مرحلة الحروب الكبرى بين الجيشين الأبيض والأحمر.. ليشهد الأخير تقدمًا
المرحلة الثالثة 1920 إلى 1922 القتال على أطراف البلاد، آلت إلى انتصار البلشفة وتثبيت أركان النظام الشيوعي

كانت الحرب الأهلية الروسية من أبشع الحروب، حيث أسفرت عن ضحايا بمئات الآلاف من قتلى الطرفين، علاوة على المجاعات التي اجتاحت البلاد إثر الحرب، وتردي الأوضاع الاقتصادية.

اقرأ أيضًا: أسباب الثورة الفرنسية ونتائجها

الخط الزمني للثورة الروسية

لقد كانت الأحداث التي أشرنا إليها باعتبارها مراحل الثورة البلشفية في مجملها مشكلة مرحلة محورية في تاريخ القرن العشرين، حيث تبعتها متغيرات على الصعيد الاقتصادي والجيو سياسي والفكري في أوروبا، وربما كان من أهمها ثورة البلاشفة التي أحدث بذاتها تغيرات جذرية في السياسة الدولية إلى أن آلت إلى انهيار الاتحاد السوفيتي.

يسعنا التطرق إلى أهم الأحداث التاريخية أثناء الثورة البلشفية لاستيعاب مراحلها بشكل أكثر دقة، على النحو التالي:

التاريخ الحدث
1898 تأسيس حزب العمال الديمقراطي الاشتراكي الروسي
1899 اعتصام طلبة الجامعات في روسيا
1902 تأسيس الحزب الاشتراكي الثوري
1903 انقسام حزب العمال بين بلشفيين ومنشفيين
1904 الحرب الروسية
1905 اندلاع الثورة الروسية الأولى “الأحد الدامي”
1906 الدستور الروسي، واستلام ستوليين رئاسة الوزارة
1907 تضييق قانون الإنخاب على مجلس الدوما
1911 اغتيال ستوليبين من ناشط اشتراكي ثوري
1914 اندلاع الحرب العالمية الأولى، وهزيمة روسيا في بروسيا
1915 طرد الجيش الروسي من بولندا
1916 هجوم مجلس الدوما على الحكومة
1917 خلع القيصر وتأسيس الحكومة المؤقتة.. ومواجهة البلاشفة
1918 حل البلاشفة للجمعية التأسيسية
1919 تأسيس الشيوعية الدولية واستمرار الحرب الأهلية
1921 انتشار مجاعة في أغلب أنحاء روسيا
1922 انتهاء الحرب الأهلية وتعيين ستالين الأمين العام للحزب
1924 وفاة لينين بعد إصابته بالشلل

الأحزاب والتوجهات وقت الثورة الروسية

علمنا أن “فلاديمير لينين” هو مؤسس الحزب البلشفي، وهو أول رئيس للاتحاد السوفيتي ومن قاد الثورة البلشفية، وهو كذلك من طرح فكرة “ديكتاتورية البروليتاريا”، إلا أن هناك الكثير من التوجهات الأخرى المغايرة، نشير إليها في إطار مراحل الثورة البلشفية على النحو التالي:

الجيش الأبيض القوة العسكرية التابعة للحركة البيضاء التي هدفت إلى إسقاط حكم البلاشفة، وخاضوا الحرب الأهلية الروسية ضد الجيش الأحمر.
الجيش الأحمر جموع العمال والفلاحين تحت إشراف ليون تروتسكي، وكان له الدور الحاسم في الحرب الأهلية الروسية والحرب العالمية الثانية.
المنشفيون هم الأقلية، كانوا مناصرين لديمقراطية الاشتراكية، وتحالفوا مع الاشتراكيين الثوريين.
البلشفيون الأغلبية، وهم راديكاليون في الطرح السياسي، متبنيين المنهج الثوري لإنشاء نظام اشتراكي وفق ديكتاتورية البروليتاريا.
الحزب الاشتراكي الثوري من الأحزاب الثورية الروسية يتبنى الاشتراكية الثورية، وكان أقل راديكالية من البلشفية، حيث تحالف مع المنشفية في مراحل الثورة البلشفية.
الحزب الاشتراكي الروسي “العمال الديمقراطي” أسس في 1898 ليكون في طليعة التجمعات الثورية المناهضة لحكم القياصرة الروس، وانقسم في عام 1903 إلى بلاشفة ومناشفة.
الحزب الديمقراطي الدستوري يُعرف بـ “الكاديت” كان مطالبًا بالملكية الدستورية، ثم الجمهورية، على قناعة أنصاره بمبادئ الليبرالية، الأمر الذي جعلهم ضد البلاشفة.

لم تقتصر الآثار السياسية للثورة البلشفية على النظام السياسي الروسي فحسب، بل امتدت لتؤثر على المنظمة الدولية بأسرها، مُشكلة منظومة ثورية عمالية هدفها الأول تصدير الاشتراكية إلى الخارج.