13428433_10209100813010742_6600689640398662829_n

قد تكون هُناك وظيفة نفسية من شأنها الشعور بالخوف ، تعمل عمل المُنبه الداخلي، ضد أي خطر ، أو اعتداء ؛ والشخص الذي يدعي أنه لا يخاف من شيء، ولا يهاب أحد هو ضحية لأخطر أنواع الخوف : الخوف من مواجهة الواقع ، الخوف من مواجهة الحقيقة، بين قوسين

(الجبان الأعظم).

الطفل يخاف ، والرجل منذ خُلق أمضى حياته في مخاوف مُستمرة ، وقد يذهب بنا الظن أن الرجل البالغ الناضج لا يخاف ، وكأن من شأن النُضج العقلي أن يقضي تمامًا على كل أسباب الخوف ، لكن الواقع الذي نحياه يشهد على عكس ذلك ، فنحن دائمًا ما نخاف .. نخاف من الموت ، من المجهول ، من الفشل ، من الشيخوخة ، وأكبر ما يُقلقنا هو فكرة العدم ، بأن لا نكون . فكيف يتحول أي شخص فينا إلى أن لا يكون ، أو كيف يُمكن لأي شخص أن يخشى الحُب ، إذا كان الحب هو الأمان من كل المخاوف التي تسكن هذا العالم ! قد يعيش بيننا شخص دائم الهروب من الحُب ، ليتجنب الشعور بالاحتياج ، الهزيمة ، الفشل ، فهو يخشى أن يبدأ ما لن يُمكنه إتمامه وحده، يخشى أن يعيش حالة من المشاعر ، ويجد نفسه في النهاية وحيدًا ، وساعتها رُبما يهرب من ذاته ، التي ستطارده لتُلحق به العذاب ، لأنه لم ينجح في الحُب .

وهُناك من يعيشون حالة البين بين ، يحتفظون بمشاعرهم في ثلاجة ، لا هي تموت من البرد ، ولا هي في العراء تُقاسي ظروف الجو الغير مضمون ، فيستقر بها الحال على أحد الأرفف ، ٍتتنفس هواءًا بدرجة حرارة مُحددة ، هواءًا لا هو بارد ، ولا هو ساخن ، لا يمنح السعادة ، ولا يُحقق الألم ، لكنه كاف لأن يُبقيها على قيد الحياة ، فهل مثل هذا الاختيار يعني الحياة ؟! كيف ستكون الحياة إذن من دون حُب !!

وهل الحُب يستحق التضحية لأجله بهذا المجهود الذي ندفعه لأجل الأمان النفسي ، وهل الحُب هو الهدف الأخير في الحياة الذي يُمكن أن ندفع لأجله بكل التضحيات ، وهل الحُب غاية ، أم سبيل ، فمن يختار الحُب ، يكون على قناعة كبيرة بجدارة الحُب أن يكون اختيارًا يستحق التضحية بكل شيء لأجل الحصول عليه .. الخائف من الحُب ، يرفض الشعور المُستمر بالضعف والاحتياج ، يرفض الهزيمة الداخلية أمام التناقضات التي يصنعها الشعور بنمو الحب داخله ، ولا يستطيع أن يُنكرها ، أو أن يصنع حيالها موقفًا مُحددًا كي يُنهيها .

 

يُنكر هذا الشعور بالضعف ، أو يسعى لأن يتجاوزه ، في نوع أقرب إلى التخلي عن الشعور بالإنسانية . ويسترد قوته من ناحية أخرى ، بأن يتمسك بعدة فضائل ، كلها تعني القوة ، وتلغي كل مظاهر القصور والاحتياج . مما يبعث على الشعور بألم أكبر بكثير من الشعور بالوحدة ، فتنقسم ذاته على نفسها ، وبدلًا من أن تكون معركة ” إثبات القوة ” بينه وبين آخر ، تكون معركة أشد وطئًا بينه ، وبين نفسه ، داخل حدود نفسه ، التي لا تلبث أن تُكمل على هذا المنوال ، وفي العاجل يُصيبها المرض . الحب ، ليس مسألة ، إثبات “قوة” أو “ضعف” ، أو “جدارة” ، فقد أفاض عُلماء انفس في الحديث عن “أمراض الإرادة” ، فوصفوا لنا “سلوك الهرب” حيث يعمد الضُعفاء إلى تعاطي المُخدرات ، أو إدمان الخمور ، من أجل التخلص من الأزمة الحرجة التي تواجههم . وهذه الطُرق التي تعمل على الإنفصال المُؤقت عن الواقع ، لا تكفي لمعاونة “الإرادة الضعيفة” على استجماع قوتها أو استردادها .

لأن “الإرادة” لا تتكون باستعمال “مادة فعالة” عن طريق الحقن ! .

وكذلك ، ليست أحد الحلول أن نُساير ما يُمليه علينا الآخرون .. وحدنا قد نستطيع أن نضع حدًا لهذا الشعور .. الخوف . وأن نعترف ، بأن الضعف هو شعور وجداني طبيعي ، وحتى أصحاب الإعاقة ، ليس لهم يدًا في هذا ، بل منهم كثيرين يبحثون عن حل ، أما الاستسلام فهو ما يُجعل منك مُجرد شخص بائس مُستلسم ، يترك مصيره في يد آخر .

وإن تبين لكل واحد وقع في اختيار أن يسمح لنفسه بحب الآخر أم لا ، وعلم أنه بصدد صناعة اختيار وحيد ، فقد يمنحه هذا نصف الحل للمُشكلة .

العلاج في مثل هذه الحالة “الخوف من الحُب” ، لن يكون إلا بالبناء الفكري ، وتصحيح المفاهيم ، حتى ينجح الفرد في استعادة “التكامل النفسي” ، وينتقل بشكل تدريجي من الشعور ” بالخوف والضعف ” نحو الشعور ” بالإرادة والقوة ” . والقوة هُنا ليست “انعدام الضعف” بل القوة هي “تجاوز الشعور بالضعف” ، والخلاص من هذه الحالة ، مرهون بلملمة الشتات ، واسترداد الوحدة داخل نفس الإنسان الواعي لمشكلته ، القادر على تحديد أبعادها . بأن يسأل نفسه عدة أسئلة ، هو الوحيد القادر على تقديم إجابات لها : “مم أخاف” ، “لماذا أخاف” ، ويستوضح من نفسه في جلسه ذاتية يتوحد فيها مع نفسه إن كان هذا هو اختياره الذي يُريد ، أم أنها حالة مُوجعة يبحث لها عن خلاص ! .