13428433_10209100813010742_6600689640398662829_n

-الحُّب والغـيرة-

ضرب من ضروب العُدوان لسحب البُساط من تحت قدمي الآخر لينحاز برغباته ، و إرادته ليُنفذ رغباتنا نحن أو العكس . فالشعور بالحرية هو أكبر دافع للإستمرارية و البقاء ، أما قيود الغيرة تبعث على النفور و تخنق الحُب و تسلبه مصيره  وحقه في الحياة .

” الغيرة تشوش العقل، ولا تسمح بالتفكير المتعقل، مثلها مثل الخمر.” “ماريو بارغاس يوسا”

إذا كان الحُب دافع للعطاء مانح للحياة ، يجعل الإهتمام متوازن بين الحبيب والمحبوب ، وإذا كان الحُب تعبير عن جميع العواطف التى تمثل الإنجذاب نحو الأخر وبطاقة هوية فى العلاقات ، فماذا عن الغيرة ؟!

هل من الجيد فى هذة الحالة أن نلحق وصف العاطفة بالغيرة ، أم الواقع الإنسانى يفرض علينا أن نخرجها من دائرة العواطف والمشاعر المتبادلة بين الطرفين ؟

هل الغيرة نوع من أنواع الإهتمام المُلازم لكل طرف نحو الأخر ؟

يقول الأديب الفرنسى – فرانسوا دلا روشفوكو –

“أن فى الغيرة حُب ذات أكثر من حُب الآخر”

الغيرة تفضح صاحبها بالأنانية المطلقة ، فالتوازن فى العلاقات بمثابة طريق لا يحيد عنه الطرفان وهو الضمانة  في إستمرار العلاقة على النحو القائمة عليه ، مما يحقق نظرية الحُب فى النهاية ، والناظر هنا أن لفظة “الغيرة” تمثل شبهة خلل فى التوازن المسموح به بين الحبيب والمحبوب ؛وهذا الخلل كفيل بأن نُعيد النظر في قضية الحُب ، إن كان بُنى على التملك والسيطرة ، أم إحترام استقلالية وحرية الآخر.

فإن كنا نقول بأن الحُب مانح للحياة ، فهو بالتبعية مانح   لكل السمات التى تضمن هذة الحياة ، وأكبر منحة هنا هى الحرية ، ولا نقصد هنا الحرية بمفهومها الإجتماعى ، بل الحرية التى تضمن كينونة وذاتية كل طرف على حدة ، بحيث تكون الذات هنا متآلفة ومكملة للذات الآخرى ، لا أن تكون مُقيدة مانعة للآخيرة ..  فإن كانت كذلك ، فقد الحُب هنا ركيزة أساسية ، كانت كفيلة بقتله سريعًا .

وإن كان الإهتمام دليل على العاطفة ، فإن مشاعر الغضب تأخذ الطليعة ، كرد فعل وتعبير عن الغيرة ، ومن ركائز الحُب ليست العاطفة وحدها ، بل يدخل فى دائرة التوازن ، وجود الثقة بين الطرفين ، ومما لاشك فيه أن ردود الأفعال التى تكون مصاحبة دائمًا لأفعال الغيرة ، هى من علامات افتقاد الثقة تدريجيًا بين طرف وآخر ، الأمر الذى يمثل عبء متلازم لآحدهما , ويقول فى هذا علم النفس ،قد يصحب الغيرة كثير من مظاهر أخرى ، كالثورة ، أو التشهير،  أو المضايقة ، أو التخريب ، أو العناد والعصيان ولكن الغيرة تبقى أحد المشاعر الطبيعية الموجودة عند الإنسان كالحب … والغيرة تكون نابعة بالأساس من الخوف والقلق على فقدان الشيء، والخوف من أن يناله مزاحمه أو مزاحموه.تعتمد شدة الغيرة على مدى شدة العناصر الانفعالية التي تكوّن الغيرة، أي على شدة الخوف والحزن والغضب والقلق والكراهية. ولا تأتي الغيرة بصورة مفاجئة بل تتكون بمرور الوقت وتتصف بصفة الاستمرارية.

ونحن هنا لا نقبل أن يتم إتهام المشاعر بين الحبيب والمحبوب بالبلادة ، بل يمكن أن تتحقق نار الحُب إن كانت الغيرة هنا قائمة على الحرص الذى يدخلها وبلا شك فى دائرة الإهتمام المتبادل ، فالعلاقة العاطفية بين الحبيب والمحبوب ، يستشعر معها كل طرف بالتميز والكبرياء المُصاحب للآخر، بشكل لا يقبل كلاهما معه المنافسة فى الاستحواذ على قلب الآخر ، فعاطفة الإستئثار بالمحبوب بُنيت على الإهتمام والحرص ، وليس على الغيرة التى تدفع للتملك والسيطرة ، فالحُب هنا تحققت صفاته مطرود منها الغيرة ، وقد يقول البعض أن الحب جامح ، فهو جامح بدفء تضافرت فيه العاطفة ، والاهتمام ، والاحترام والثقة ، وليس الغضب والمعاناة والتملك والذاتية المطلقة .