مونولوج وحشي من مسرحية الحسين ثائرا

مونولوج وحشي من مسرحية الحسين ثائرا قد تمكن فيه عبد الرحمن الشرقاوي أن ينطلق بحكمته البلاغية إلى أفق السمو والعاطفة بالقدرة على التصوير غير المبالغ، والتفاعل مع الأحداث بشكل تام، وما أعانه على ذلك العمل الرائع إلا ثروته اللفظية وأسلوبه الثقافي المميز، ومن خلال الواقع العربي يسعنا أن نستقي من أنهار ثروته اللغوية القليل.

مونولوج وحشي من مسرحية الحسين ثائرا

جرت العادة على أن تقوم الشخصيات الرئيسية في الأعمال المسرحية بسرد المونولوج الدرامي، إلا أن عبد الرحمن الشرقاوي قصد أن يخالف تلك القاعدة ليضع ثلاث مونولوجات درامية على لسان الشخصيات الثانوية في مسرح الشرقاوي تحديدًا في مسرحيته “الحسين ثائرًا”.. فكانت كلمات مونولوج وحشي من مسرحية الحسين ثائرا كما يلي:

وقتلت حمزة في أحد

وظللت أنبش بطنه حتى عثرت على الكبد

فنزعتها وعصرتها لتلوكها أسنان هند

قد كنت عبدًا حينذاك وكانت لي آمال عبد

حتى إذا ما كان يوم الفتح جئت إلى الرسول

ووقفت أبكى لا يقول ولا أقول

ودخلت في الإسلام لكن لم يصافحني الرسول

لم يعطني يده الكريمة بل نأى عنى بجنبه

وركعت في عار على قدم الرسول فلم يجبني

أنا لم يصافحني الرسول وحملت عاري وانطلقت

وشربت خمر الأرض لكن ما انتفعت

أيا مضيت فما يفارقني الشبح

هو ذاك حمزة يصرع الأبطال منطلقًا كإعصار مخيف

هو ذا يصول كما يشاء وقد تحامته السيوف

والمسلمون يكبرون الله أكبر وجيوش مكة تنحسر

وملئت رعبًا فاختفيت وراء صخرة

فإذا بهند والنساء الراقصات أتين يقرعن الدفوف

ورأيت حمزة ما يزال يصول كالأسد

يفتك بالحشود فعل الأفاعيل العجاب بهم

ففروا خائفين وحديث هند ما يزال يسيل في أذني

فلتقذف برمحك ظهره

ستصير حرًا إن قتلته

ستنال مني ما اشتهيته

قد كنت عبدًا حينذاك وكانت لي آمال عبد

قد كنت عبدًا حينذاك لآل هند.. عبد له خطرات عبد

هو ذاك حمزة يستدير مطاردًا من فر منه

هو ذاك مشغول بضرب الهاربين وكلهم ينحان عنه

فأتيته من خلفه بالرمح

ما من شيء سيقهره سوى غدرات رمح

ورشقت ظهره فإذا بحمزة ينطرح

ورأيت هندًا بعدها وسط الرجال تصيح

عودوا مات حمزة وتقول حمزة صار جيفة

ورأيتها والله تخضب راحتيها من دمائه

وتقول لي أين الكبد؟

ومضت تغنى وهي ترقص فوق جثته الزكية

يا قاهر الأبطال إنك رائع كالمعجزة

يا سيد الشهداء حمزة قد غدوت ضحيتك

أنا من طعنتك غادرًا طعن الجبان

ورميت عزتك الشموخ إلى الهوان

أهديت أشرف ما يجود به الزمان

إلى نساء بنى أمية

يا سيد الشهداء ماذا أستطيع الآن بعد

قل أي تكفير أقدمه فتقبل توبة من معتذر؟

أفلا مقيل لمن عثر. أفلا نجاة لمن غدر

قد كنت عبدًا وقتها.. عبد له خطرات عبد

عبد ذليل طامع عبثت به نزوات هند

يا سيد الشهداء حمزة قد غدوت ضحيتك

أنا ما جنيت على حياتك ما جناه على موتك

أنا ذا مثل اللعنة السوداء منذ غدرت بك

عدم تطارده الحياة

ذنب تحامته العصاة

قبر تحرك عرض مهين منتهك

ندم تحاصره الذنوب

عار يفر الكل منه ويرجمونه

رجس تنوء به القلوب

قلق تجافته السكينة

قرح على وجه الأبد

بذلك يكون عبد الرحمن الشرقاوي تمكن من معالجة الموضوع التاريخي الذي طالما تأثر به المسلمون كثيرًا.. بانتقاء أفضل الكلمات وأعذبها وأكثرها تعبيرًا عن شخص المتحدث.

اقرأ أيضًا: شرح قصيدة حسان بن ثابت في رثاء الرسول

التشخيص بالمونولوج

في المسرح الشعري.. لا عجب في كون التشخيص بالمونولوج من أخطر الأنواع، حيث يعني الشاعر باستخدام “المناجاة الفردية” حتى يكشف عن دخائل الأزمة في نفسه.

أما في مونولوج مسرحية الحسين ثائرا قد اعتمد الشرقاوي فيه على ثلاث أصوات:

  • صوت الرجل.. يرمز إلى عمال بني أمية، ممكن كانوا بمثابة أداة ظالمة لكنهم ليسوا المسؤولين فحسب عن القتل.
  • صوت الطريد.. يعبر عما أراد به مسلم بن الوليد تمهيدًا لاستشهاد الحسين.
  • صوت وحشي.. على لسان وحشي بن حرب قاتل حمزة عم الرسول.

فما كان استدعاء مونولوج وحشي من مسرحية الحسين ثائرا إلا محاولة لتبرئته المتأخرة عما اقترف من الذنب، عن طريق تحريض هند بنت عتبة.

اقرأ أيضًا: شعر اعتذار جاهلي

سيكولوجية طرح مونولوج وحشي

قصد عبد الرحمن الشرقاوي أن يستبصر بالتجربة الإنسانية، فمن شأن ذلك أن يثري من رؤية المتلقي لتكون فارقة جديدة ثرية.. نتاجًا لمنظور متحدث المونولوج والذي اعتمد على:

  • التحدث بضمير المتكلم، فتفصح الشخصية عن ذاتها دون تعمد.
  • ظهور رؤية الكاتب الذاتية على لسان متحدثه.
  • هناك متلقيّا ضمنيًا تشعر بتأثيره داخل سرد المونولوج.
  • مكان محدد.. زمان محدد.

اقرأ أيضًا: شرح قصيدة مصر تتحدث عن نفسها

نقد مسرحية “ثأر الله” لعبد الرحمن الشرقاوي

هنا لا يعنينا كم أن الشرقاوي أجهد نفسه في كثرة الأحداث التاريخية الإسلامية مما جعل المسرحية أقرب إلى العمل التاريخي أكثر منه للعمل الفني، فكان من الأحرى أن ينتقي حدثًا واحدًا حتى تصبح مسرحيته قائمة بذاتها، إلا أن ما يعنينا بحق أن الشخصية الوحيدة –في رأي النقاد- التي استطاع أن يوظفها كما ينبغي أن يكون هي شخصية “وحشيّ” قاتل حمزة بن عبد المطلب.

نجاح تلك الشخصية يعزو إلى أن وحشيّ شخصية تاريخية أراد بها الكاتب أن يجعلها رمزًا لقتلة الحسين بن عليّ.. فكان حمزة رمزًا للحسين فيما يتعلق بمصيره الذي يؤول إليه، فوجدنا وحشيّ يظهر في المسرحية كصيحة ندم في غير موقف.

لكن في العموم، قد اكتسبت تلك المسرحية ميزتها الفريدة عن ألوان الأدب المسرحي، والذي تأثر بتيارات الغرب وحاكى الشعر الإغريقي، فاستطاع أن يُخرجها من كل ذلك بشخصيتها اللغوية والبيئية المنفردة.

لا يخرج مونولوج وحشي من مسرحية الحسين ثائرا بتلك الروعة الفريدة إلا من شاعر وأديب ومفكر إسلامي مميز مثل عبد الرحمن الشرقاوي.. فقد أبدع في كتابتها وكأنها قصة نحياها الآن.