بقلم: عبير درويش

يستدعيني بإيماءة، وارتخاء جفنٍ.. أتحقق من وجهه.. واهن وبالكاد يستقيم، ويتوسد الجدار؛ يلتهمنى الوجل.. اليوم الخميس آخر الأسبوع، إذًا فقد كان .
يضيق صدره، يزفر:
ـ ياااابِت
لا يطلق علينا المسميات، فنحن ثلاث فتيات، وامرأته، ولا يخرج مسمى إحدانا عن كوننا “بنت”، وهي ترقية أنثوية رقيقة؛ تليق بنا كما درج هو عليها.
أهرع إليه، أقطع درجات السلم لاهثة، ألمح كيساً يعلق بمعصمه المتحرر، يحوي محقناً بلاستيكيًا وعبوة دواء.. أعلم ماهيته مسبقاً، أرفع ذراعه المرتكنة على جداره المريض المتآكل، وأحمل عنه حمولته الشائكة.. أتفحصها، وأخمش الكيس في استياء.
ـ تاااني حقن ؟
لم يكن يلقي بالاً لامتعاضىي مرةً.. فقط يزم شفتيه اللتين تركتا آثاراً، من فرط اعتراضهما دوماً، على جنبات وجهه على هيئة خطوطٍ نصف دائرية أحاطت بفمه، وما أن يصل لأريكته حتى يبدأ بنفحي تبريراً يلقي براحة نفسية عليه هو.. ويصد عنه شبهة ولعه بالمسكنات، وذعره من الأطباء:
ـ الفولتارين بيسخني، ويعرقني، وأنام والصبح أقوم زي الحصان.
هو يتفادى تبرير اختياري لوخزه أنا “البنت”، ولا يجد غضاضة في كشف عورته عليها .
حين أمرر له مشورتي بأنه حين يعرج على الصيدلي، ليقتني أمبوله الغالي، فيوكل له مهمة الوخز.. فيرد في استياء صادق ومستجدٍ لتعاطفي:
ـ إيده جامدة .
أرضخ له/ أوخزه/ أجفل/ يتأوه/ يخترق الدواء أوردتي/ يسري الخدر في جفنيه المستدعيين لي:
ـ بالشفا.
يرفع كفه فوق المزمومتين ألما، ويقبلها من الوجهتين ، أركن إلى الخلاص، فأدثره بإحكام.
لم يك يدللني مثلهن، كان يوكل إليّ بما يشق على نفوسهن احتماله.
اليوم هو الخميس.. أخيراً استجاب لي ليحررني من ثقل تلك مهمة …
استقام ظهره جلياً حتى طالت قامته السماء
استفقت من الحلم على وخز.. وخز اخترق ضلوعي بالسقم وملأ أوردتي بالمرارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ