12523005_10153361196352957_1157583746565048968_n

دفعت الباب الخشبى جانبًا، اصبح ثقيلًا قليلًا بعد وصولى العقد السادس، طوال حياتى ادخل تلك الغرفة اساعد من فيها على تخطى عقبات حياتهم، اعطيهم الثقة من جديد، رفعت عينى لتصطدم بـخمس ازواج من الأعين اصحابهم مصطفين على كراسى.. المكان بهدوء فى دائرة.. اتوجه لمنتصفها بخطوات ثقيلة كيفما اتفق جسدى العاجز على القيام بها، مؤخرًا اصبحت كل خطوة جديدة تؤلمنى.

ارى اولهم على يمينى، شاب لطيف محمد، كان ليكون افضل لولا انهياره العصبى الأخير حيال قتل اخته لوالدته بسكين المطبخ، كان يحكى لى عن عدم تصديقه لما رآه، اخته الكبرى تقف على باب مطبخهم الضخم و خلفها امها ملقاة على الأرض و السكين مغروس فى صدرها و عيناها شاخصتان فى عوالم اخرى لا يعلمها سوى من عبر بوابة الحياة، ياللمسكين لم يتحمل جهازة العصبى كل هذا الضغط.

بجانبه كان سالم، سائق النقل ضخم الجثة، نظرته الشاردة فى سجادة المكتب طوال الوقت، لم يعد يتحدث إلى آدمى بعد اصابته بسرطان البروستاتا و استئصال اعضاؤه التالفة، و كأن هذا ليس كافيآ، فأكتمل المشهد بإحراق زوجته لنفسها حين وصل الخبر لها، قامت بسكب زيت السيارة على نفسها -الكثير منه- و تكفل عود الثقاب بتحويلها إلى كتلة غير واضحة المعالم.

الثالث ذو اللحية الكثة الذى يتلفت حوله طوال الوقت، كان طبيعيآ فى يوم من الأيام، حين تم القبض عليه هو و بعض اصدقاؤه من احدى مقاهى وسط البلد و ايداعهم احدى المنشآت التى يمارس فيها التعذيب الممنهج، لم يخرج كما كان ابدآ، كان يرى كل من حوله يحاولون قتله، اقناعه بالتواجد فى غرفه تحوى خمس اشخاص آخرين لم يكن بالأمر الهين.

الشابة بجانبه حاولت الإنتحار مرات اكثر من اصابع يديك، بعدما مرت بجميع مراحل الإكتئاب ثنائى القطب و اصبحت نوباتها قاتلة سواء الهيستيرية منها او الكئيبة، حاولت الإنتحار فى كل مرة تهبط مستويات هرموناتها المزاجية، حتى والديها لم يعودوا مهتمين بما سيحدث لها، اذكر آخر جملة قالاها لى عند تسليمها لمصحتى النفسية : “لم نعد نريدها، تلك ليست ابنتنا، تخلص منها و اسد لنا معروفًا”.

الأخير على يسارى زوجتى، كنت و لازلت احبها، اذكر حين التقينا لأول مرة، لازلت احب تلك المنحنيات الصغيرة على قدها، لم تعد تلك الفتاة الصغيرة بعد ان اكملت عقدها الخمسين، و اصابتها بسرطان الثدى، يقول الأطباء ان رئتيها لن تتحملان الأمر، ولن يكون للتدخل الجراحى فى هذا السن فائدة، بل لربما تفقد حياتها.

من المفترض ان فى تلك الجلسات افتح فمى لؤهدىء من روع الجالسين و اذكر لهم محاسن الحياة، احيانًا افتح فمى لأعيد لهم الثقة فى نفسهم، افتح فمى فتخرج الثقة لتعود إلى احدهم، افتح فمى ليشعر احدهم بالأمان من جديد، افتح فمى فيحبون الحياة من جديد، او افتح فمى لتعود لهم الشجاعة.

فتحت فمى كثيرًا لألقى دروس الحياة فى وجه مرضاى، لكننى لم افكر مطلقآ لم افعل ذلك!، اوليست الحياة فعلآ لا تستحق تلك المعاناة، هل كنت امنعهم عن الراحة التى يستحقونها، هل اعديهم مرة اخرة للشقاء و الحزن؟، الم يكن من الصواب مساعدتهم ليكونوا فى مكان افضل؟.

بعد ان اصبحت الكهل الذى انا عليه ارى الآن كيف ان الحياة مرهقة بشكل مذرى..ارى كيف ان كل يوم يصبح اصعب علي من الذى يسبقه…ارى انه من الواجب على ان اريهم الطريق، ان اعطيهم الشجاعة من جديد و لكن تلك المرة فى الإتجاه الصحيح !

ذلك الإتجاه الذى يدفعك لإخراج المسدس من جيب بذلتك الكحلية التى تحبها زوجتك، و ترفعه إلى اسفل صدغك، هل تعلم انه حين تكون فى مثل حالتهم لا يفاجئك شىء؟، تقول لهم ان القادم احسن و عليهم التحلى بالشجاعة ليحصلوا على الراحة التى يريدونها، تقول لهم ذلك و اصبعك يجذب الزناد لتدفع المطرقة داخل المسدس رصاصة الرحمة بسرعة جنونية داخل ماسورته و تخرج منه لتخترق اسفل صدغى و تستقر اينما تراءى لها، المهم فى الأمر اننى الأن فى مكان افضل، أفضل كثيرًا من تلك الحياة.