عاد اللواء متقاعد وجيه الجبالي لمنزله في  ساعة مبكرة من  الصباح بعد أن قضي يوما” كاملا” بعمله هربا” من وحدته القاسية؛ المنزل هادئ صامت كأن الحياة توقفت عند زمن ما….. في غرفة المكتب يطالع بطولاته. ذلك الحائط الوحيد الذي بقي له كي يستند عليه في ربيع عمره.هذه صورته بين أفراد سريته بتاريخ 11/11/1969 قبل إنطلاقهم لعملية خاصة خلف خطوط العدو وأخري أثناء التدريب علي أقتحام قناة السويس وثانية قبل العبور المجيد بلحظات وتكريم الرئيس الراحل محمد أنور السادات له عن بطولاته….. يبتسم أمام صورته أثناء تطهير الصحراء الغربية من ألغام الحرب العالمية الثانية بالقرب من منخفض القطارة وكيف كان يتخيل إنه يجالس روميل ومونتجمري معا” لكن يبقي ذلك المكان الخالي بأخر الجدار دون صورة معلقة عليه يعد لنفسه فنجان من القهوة يرشف منه رشفة وهو يجلس علي مكتبه فيما نافذة البلكون الكبيرة مشرعة علي الفضاء أمامه وفقط يواجهه ذلك المنزل. يفتح الدرج الأول من المكتب يأخذ جرابا” جلديا” نقشت عليه العلامة السداسية غنمها من أحد المواقع الأسرائيلية. برفق يمسح عدساتها بالمنديل يضبط بؤرتها فتقترب الصورة من النافذة رويدا” رويد حتي يكاد يكون جالسا” معهم؛ يشاهد تلك العائلة التي يتمناها  و صورتها معلقة وهو يتوسطهم علي ذلك المسمار الفارغ. كم تتوق نفسه لذلك الا أن أخلاقه تمنعه من الأقتراب… يكتفي بالنظر إلي الأم وأولادها يراقبهم من بعيد كلما أتيح له ذلك.تلك الأسرة التي بحث عنها عمرا” كاملا” لكنها ليست بين يديه. يتراجع كل مرة عن مشاهدتهم هامسا” لنفسه إن النظارة التي طالما راقبت بها العدو لاينبغي أن أراقب بها من أحببتهم تبا” لضمير لايمنعنا من أرتكاب الأخطاء لكنه يفقدنا اللذة بها .

أعاد النظارة لجرابها وقرر أن يخلد للنوم .. دق جرس الباب نظر من العدسة السحرية ليجد حارس العمارة ومعه الخادمة التي طلبها منذ أسبوع لتقوم بتنظيف البيت عوضا” عن الخادمة التي عادت إلي بلدها فتح الباب مرحبا” كعادته و قدمها له الحارس منوها” عن أمانتها بخلاف إنها تعمل في العمارة المقابلة وهي علي درجة من التعليم شكر الحارس ونفحه وأنصرف.

سأل الخادمة عن بياناتها وعند من في الجيران في المنزل المقابل تعمل… الخادمة تبدو نشطة لبقة الحديث ؛ مما حدا به لجذب أطراف الحديث معها  عله يعرف منها أخبار تلك العائلة:…       قال:

_  من الواضح إنك مرهقة  اليوم ماذا حدث؟

الخادمة:

_أنا حزينة علي سيدتي جارة !!

تهللت أساريره أخفي سعادته عدا بريق عينيه وسألها:

_ لماذا؟              الخادمة:

_ سيدتي لاتستحق هذا العذاب الذي تعيش به دون سبب ؛ زوجها رجل معقد يتفنن بدفن فرحتها هي وأولادهم يتلذذ بمضايقاتهم وأرباكهم هذا فضلا” عن عقدته  من النساء اللاتي يتلذذ بتشويه سمعتهن وإظهارهن بأنهن عاهرات جميعا” مما أورثه حالة من الشك الفظيع .

علق متهكما” : _ ولماذا تزوج؟

الخادمة:

_ تنفيذا” لوصية أبيه فقط لأنها كانت أخر كلمة قبل أن يموت  أن يتزوج .. تخيل سعادتك إنه يراقبها ويمشي ورائها  وهي أشرف الطاهرات ولايترك لها مجالا” لأي أختيار في المنزل حتي مفارش السرير يختارها .

رد :  _  لكنه معروف بالأحترام.

الخادمة:

_ماهو عيبه يابك إنه محترم بشكل زائد عن اللزوم وغير مدخن لايذهب للمقاهي وليس لديه أصدقاء وزملائه بالعمل يهربون منه جميعا” لتعنته وروتينيته

رد:  _وماعلاقته بأبنائه لديه بنتان وولد كالورود

الخادمة:  _ متحسرة أخشي أن تذبل الورود قبل أوانها من كثرة الأكتئاب والحزن إنه لايقدر نعمة الله عليه دائما” يوجه لهم الأهانات والألفاظ الجارحة ليغطي ضعف شخصيته أمامهم ولايوجههم للصواب أبدا” ويتركهم عرضه لأهانات الأقارب قبل الغرباء بل يشجعهم علي ذلك بإقراره أن أولاده علي خطأ دائما” خوفا” من مجابهة شئ يجبن عليه كما إنه يكبت فرحتهم ويقتل مواهبهم ويفسد بينهم وأصحابهم وجيرانهم عن عمد.وهو دائم التمارض ليقلقهم عليه. لكنهم ملوا ذلك وبدا الشقاق بينهم مما أورثهم عقدة جديدة وهي الخوف والشعور بالذنب من عقوق الأب ..

رد : _ ماهذا الأحمق

قالت  :
_لقد أضاع حلم ولده بأهماله له وتجاهله نصائح الأطباء بضرورة أرتدائه نظارة طبية من صغره مما أفسد عليه حلمه بأن يكون ضابطاً . كما إنه لم يستطع المذاكرة بسبب الآم عينيه ولم يستطع دخول كلية ترضيه لضعف مجموعه سمعته أمس يتحدث لوالدته بكل آسي يقول لها تخيلي ياأمي بأنني تعرفت علي نفسي الحقيقية من زملائي أبي لم يمتدحني مرة واحدة منذ ولادتي كان كل همه أن يظهر عيوبي أمامي فقط دون علاجها وتقويتها . شغله الشاغل أن يكرهنا فيكي وفى أخوالي ويزرع الشقاق بيننا ويتركني ضحية لهذا الصراع وحدي .

وجيه:

_ وماذا عن البنات

الخادمة:

_ تخيل يابك إنه تنصل من تجهيز بناته للزواج وأدعي أفلاسه رغم علم زوجته إنه يمتلك في البنك مايؤمن تجهيز البنتان والولد ويفيض لكن هذا ليس بغريب عنه حتي إنه أفسد حلم البنت الكبري بدخول الكلية التي تتمناها بدون مبرر قوي وعندما رفضت تنصل من نفقات الكلية وترك أمها تدفع لها كافة المصاريف إنها يتنتظر بفارغ الصبر أن تذهب لبيت زوجها .

وجيه:

_ وماذا عن البنت الوسطي

الخادمة:

_ تخيل سيادتك إنه يوم خطوبة هذه البنت رفض حضور الحفل وظل واقفا” بالشارع حتي يأتي عمها الذي ينقاد له بكل كلمة وينفذ تعليماته بالحرف الواحد وينقل له أدق تفاصيل البيت وبالتالي لم يحضر الحفل مما كاد يتسبب يأفساد تلك الخطبة كلها…

أحمر وجه وجيه غيظا” وقال :

_ يكفي هذا ..إنهضي لعملك  وأنا سأنام فقد أرتفع عندى الضغط …

ما أن تركته  متوجهة للمطبخ حتي هرع للمكتب وأخرج النظارة مرة ثانية..