#أكره_ما_تقول_لكنني_سأُدافع_حتى_الموت_عن_حقك_في_أن_تقوله.

المقولة  لفولتير، مفادها أن حرية الكلام؛ جديرة بالموت في سبيل الدفاع عنها، حتى عندما نكون في خلافٍ مع ما يُقال…

أما عن مُحاكمة الخيال، وجعل المُؤلَّف مادة إدانة ضد المُبدع سواء كان مُخرجًا سينمائيًا يُتهم بالإساءة إلى الواقع وكأنه لا ينقل صورة، قد تبدو له ولفئة من الناس حقيقية، أو أنه يتعمّد تشويه الواقع، وتشويه المُجتمع في مُحاولة حثيثة للثأر من الجميع،أو كاتب حاصل على جائزة نوبل للآداب ويشتد الاضطهاد والملاحقة حد تعرضه لمحاولات قتله مثلما حدث مع “نجيب محفوظ” ..

كُنّا أطفالًا نلعب في الشارع وتناثرت الأنباء عن مقتل “فرج فودة” وتم سحبنا لحديقة الفيلا، كي نُكمل لُعبة الغُميضة في وجل من الكبار، وعلامات دهشة في عيوننا الصغيرة لم تجد لها يومها إجابة؛ فهل يكون اليوم جديرًا بالبحث عن إجابة تليق بالسجن بسبب رواية ،تم نشر فصل منها في جريدة قومية، في غفلة من من رئيس التحرير، حتى وصلت الرائحة أنوف المُحققين الذين ثأروا للأخلاق برفع قضية ضده ، وكنوع من المقاومة، وعلى سبيل التعبير عن الرأي، تم تدشين هاشتاج #لا_لمحاكمة_الخيال

وكذلك عُقدت بعض لقاءات بين المُثقفين، بغرض بحث هذا الشأن، فهل توصلت هذه اللقاءات الثرية، التي نادت بحرية الكلام، ونددت بمُعاقبة، ومُحاسبة، وسجن الخيال لشيء؟

لا..

في الحقيقة لم يحدُث شي..

في الظروف العادية، بعيدًا عن توسل حُرية أحد، نضمن حُرية التعبير بداية بما نتوقع سماعه، حتى ننتهي إلى الخُلاصة التي قد تضع حدًا للقبول، وتضعنا أمام هذا المعنى (حرية التعبير) ..

فهل بقاء كلمة حرية، متجاورة مع كلمة تعبير، تضمن لها الحماية؟!

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

لكل إنسان الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء، والأفكار،وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود الجغرافية.

المادة(19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الأمم المُتحدة 1948.

منذ هذا الوقت، حتى يومنا هذا، وحرية الرأي والتعبير، في خطر حقيقي، ولم تحظ بالحماية. وتتجلى صعوبة تحديد الاستثناءات المقبولة لمبدأ حرية التعبير، فما يقوله بعض الناس وقد يفشي معلومات شخصية، أو يكشف معلومات تهدد أمن الوطن، ليست منطقة حرة يمكن للشخص أن يفعل فيها ما يُريد،

ومثلما للكلام أهمية قد يكمن خطرًا كبيرًا، وعواقب غير محمودة تجد ساعتها تأييدًا من غالب الناس لتقييد حُرية الكلام . فمن الذي يقوم فعليًا بدور الرقابة ؟

في يناير 2016 تناثرت طرائف حول طرح عدد كبير من مُؤلفات لشباب قد يكون هذا هو أول كتاب لهم، أغرقوا معرض القاهرة الدولي للكتاب، بمؤلفات لا سبيل للاختيار بينها، لسبب أن عدد المؤلفين كان أكبر من رواد المعرض أنفسهم، وبالتالي تم نشر عدة صور تذكارية مع قارئ التف حوله عدد هائل من المؤلفين، عكس السائد أن يلتف حول الكاتب الكثير والكثير من مُعجبيه، هو، وفنه!

ما الذي قد يُشير إليه موقف مثل هذا؟ ما وجهة النظر؟

ما حدث هُنا بشكل ضمني، هو مصادرة “الحق الإنساني” المخلوق مع الطبيعة، في أن يدفع أي شخص بتجربته، في كتاب. ونحن هُنا لا نتحدث عن معايير الجودة وتقييم الكتاب،

لكن نحن هُنا نترفّق بمعنى واحد فقط، هو الإنسان، وحريته في التعبير! وهذه المُلاحقة، والاستهجان حول الموقف الأخير؛ كانت تنتظر في الغالب #إذن_بالكتابة_والتعبير يحصل عليه المؤلف من عدة جهات قبل الشروع في الكتابة أصلا!

أوليس هُناك اهتماماً لدى كل البشر للسماح لهم بالتعبير عن أنفسهم، والحصول على فرصة لرؤية التعبير الحُر للآخرين، والاستماع إليه وقراءته؟!

دور الرقابة يضعنا في مواجهة أُخرى حول حُرية الكلام، وهل تتضمن هذه الحُرية “حُرية الكلام السياسي؟” أم تقوم الرقابة بدورها في تقنين القوانين نفسها، لتكميم أفواه الخصوم، دون النظر والبحث كثيرًا؛ هل هو خصم للأخلاق، أم خصم للآداب والفنون، أم خصم للدولة ذاتها؟!!

ففي حالة استخدام القانون ذاته بغرض الردع فما هي قوانين الحماية، وكيف يضمن صاحب الكلمة لذاته الأمن دون التنكيل به وبالمادة التي يدفع برأيه خلالها؟

في الدول الديموقراطية، يرغب الناخبون في الاستماع إلى نطاق واسع من الآراء، والحصول على حقائق وتفسيرات ووجهات نظر متباينة، حتى عندما يرون أن الآراء المطروحة مُستهجنة على المستوى السياسي، أو الأخلاقي، أو الشخصي!

وهذه الآراء لا تُنقل عبر الصُحف وقنوات التليفزيون، وإنما تُعرض في القصائد، والروايات، والأفلام، والرسوم الكاريكاتورية، والأغنيات. أو حتى يتم التعبير بشكل رمزي، بحرق العلم! .

وكلمة ديموقراطية هُنا، تتطلب أكثر من الالتزام بممارسة حق الاقتراع، فالحماية الشاملة لحرية الرأي، حرية التعبير، حرية الكلام، شرطًا أساسيًا لأي دولة ديموقراطية تستحق هذا الوصف.

رأي رونالد دوركين :” القوانين والسياسات، لا تكون شرعية، إلا إذا طُبقت من خلال عملية ديموقراطية، ولا تكون العملية ديموقراطية إذا منعت الحكومة أي شخص من التعبير عن معتقداته، بشأن ما يجب أن تكون عليه هذه القوانين والسياسات.”

الخوف المُبرر هُنا سببه أن كل إجراء رقابي يُسمح به، سيُسهل فرص المزيد من الرقابة فيما بعد، وهذا الخوف من التآكل التدريجي للحريات، هو أحد الأسباب وراء أن القيود التي تُفرض على الحرية، والتي تبدو في ظاهرها بسيطة، قد تُثير ردود أفعال قوية لدى من يُقدرون حرية الكلام.. والكلام هُنا يشمل كل أشكال التعبير..فهل تقديم أي رأي أو تعبير يتطلب تقدير وقت توجيه هذا التعبير، وإلى من وُجه، والأثر المقصود، أو على الأقل الأثر المُتوقع منه؟!