بقلم نادين ايمن
اصدرت جيلان الشمسي مجموعتها القصصية الأولى -اصدارها الأدبي الأول – يوما ما سأكون شمسا , عام 2011 عن دار العين للنشر و التوزيع ..جيلان قاصة سكندرية مواليد 1986 تخرجت في كلية الهندسة عام 2008 و عضو في منتدى إطلالة . يبدو مشروعها الادبي كاملا متكاملا حرصت الكاتبة علي الحفاظ علي تكوينه وهي تتعامل مع كل سطر داخل المجموعة فقد تبدو قصص المجموعة لمن لا يعشق السيريالية و يستطيع قراءة لوحاتها باحترافية و معايشة حقيقية أن القصص كلها متشابهة تدور في فلك محوره ذات الراوي أو الكاتب بشكل أدق , السيريالية هي الأقرب لذات الكاتب و لكن هذا لا يعني ان ذاته يمكن أن يراها من زاوية واحدة فينقلها لنا , فكاتب السيريالية عليه أن يمتلك ذوات شتى في آن واحد و يعرف كيف له أن يتعامل مع كل واحدة علي حدا وكيف لتلك الذوات أن تتفاعل مع بعضها البعض بينما الكاتب يكتفى بالمشاهدة بل واحدة منهن تتفاعل معه بينما الآخرون يشاركاهما الحدث …
حرصت جيلان علي التكثيف المتقن و تركيز الفكرة في كل مفردة بحيث تكتظ كلماتها بحالات عميقة ترهق الذهن احيانا لبراعة توظيفها لخدمة النص
قامت باهداء الكتاب بشكل عام للكتاب ذاته أو للمشروع الذي يتكئ عليه قصص المجموعة : ” لروح قلقة , سعت نحو التحليق , وتاقت يوما للخلاص .. ”
وقسمت قصص المجموعة إلي ثلاثة أقسام انسانة – هو – ذات أو ثلاث خطايا ” خطيئة أولى – خطيئة ثانية – خطيئة ثالثة ” وفي مفتتح كل قسم أقصوصة أو قصة قصيرة جدا قد تعبّر بشكل أو بآخر عن محتوى القسم
وفي نهاية الكتاب قامت بعمل اهداء ثان للمطر و عامود النور و اكتر كتاب بتحبه و صوت التشيللو و قصيدة امتداد و قطر ابوقير و الترام الصفرا و التوكتوك اللي نفسها تركبه و التذاكر اللي بيجمعوها مش عارفة ليه و شلة الكريستال و احلامهم و اطلالة ….. اهداء اجادت كتابته بالعامية ثم تبعته بإهداء أول لـ ” أوزوريسي ” و الذي يأخذك مباشرة لـ ” يوما ما سأكون شمسا و الذي هو عنوان الكتاب المأخوذ من جملة كررتها بطلة قصة وهج ” أطول قصة في المجموعة و التي تدور أحداثها في قرية مصرية قديمة تنتمي للعهد الفرعوني تعجب الفتاة بالقرص الذهبي إله الشمس و الذي هو سر الحياة الأبدية و كيف له أن يفرض سلطانا علي الوجود و عليها .. تتمنى أن تكونه و كلما قررت ذلك خشيت عليها أمها من لعنّات الرب .. من الاحتراق .. قررت أن تكونه رغم الاحتراق ففي ذلك خلاصها …. نجحت في السرد و الاستطراد و الحكي و الوصف و نقل التفاصيل في تلك القصة و أيضا في ” نعيق القربان الناري ” حيث الاحتراق – التحرر من الخطايا – الخلاص و اختيار محيط خاو كمسرح للأحداث يضم ذات البطلة و غراب .. المكان ثابت بينما الزمان نجحت في تثبيته في الوقت المناسب فالزمان دائما يتوقف بالراوية عندما تتشابه عليها الاحداث أو يظل الحدث ذاته يتكرر إلي مالا نهاية .. أو أن الزمان مثلا هو مسرح الاحداث كما في الأسهم المتداخلة “7 أغسطس 2006 ”
للكاتبة لغة خاصة .. لا تهدف إلي اختيار مفردات غير مألوفة و لكنها ” أنيقة ” تتلاءم مع وقار النص و سكونه والاسلوب يرتقى لمستوى القارئ غير العادي الذي تستوقفه بعض جمل فيظهر اعجابه في كيفية صوغها ..
تميل الي استخدام مفردات ما و نجد تلك المفردات تتكرر عن قصد ” نشيج – الدوران المحموم – ملامح مفقودة – اعتصار الجسد – جدران – فراغات – مذاق التبغ ”
تختصر جدا في استخدامها للعامية و ان فعلت لا تبتذل حتي لا تحدث نشاذا غير مرغوب فيه …
تعني جيدا بفلسفة الاتجاهات و الفراغات – الوجودية و العدمية
في نص ” اطار تعلوه الاتربة ” قامت بالاقتباس من قصيدة أحمد فؤاد نجم ” جيفارا مات ” و يؤخذ عليها عدم الاشارة إلي ذلك بهامش فقد لا يعرفها القارئ غير المطّلع
عيني عليه ساعة القضا
من غير رفاقه تودعه ..
يطلع أنينه للفضا
يزعق و لا مين يسمعه
يمكن صرخ من الألم
من لسعة النار فِ الحشا
يمكن ضحك
أو ابتسم
أو ارتعش
أو انتشى
وقد يبرز ذلك المأخذ ان تلك المجموعة تهدف لمخاطبة شريحة ما من القرّاء , فمن لا يقدر .. لا يقرأ !
اهتمامها بالتفاصيل الدقيقة اثناء الوصف مع الالتزام بالرداء الرمادي الذي يغلف كلماتها
يوتوبيا و خلف الجدار و الذرات الرملية التي تغلف الفضاء و الاشارات الضمنية لأحداث قد شهدها العالم بالفعل
مقعد شاغر وخط الصفر اقصر نصوص المجموعة حيث التكثيف المتقن و الموحي ذي الدلالات
نهايات النصوص لها التأثير الأكبر لا تهدف عادة الي مفاجأة الكاتب بل اصابته بما يشبه الجلطة الدماغية لتعاملها الجاد مع منطقية العالم السودوي و ان من الطبيعي و احيانا من الواجب عليك أن تدور في فلك شائك حتي تسقط في انتشاء دامي …
انتظر بشغف اعمالها القادمة و لكن كلما قرأت تلك المجموعة يخلو ذهني سوى من تساؤل واحد : ماذا يجب أن تفعل الكاتبة حتي تكن أعمالها القادمة في نفس مستوى جودة هذا العمل أو ربما أكثر جودة