بقلم:د محمد دوير
كوبرنيقوس ( 1473- 1543): ( عندما يكتب المؤرخون عن التغيرات الدراماتيكية في العلوم ، فإن أحد أول الانطباعات التي تثب إلي الذهن هو التحول الجذري The Radical Shiftالذي نقل نقطة الارتكاز الثابتة للكون من الأرض إلي الشمس . وهذا التغيير هو ما يعرف عادة بالثورة الكوبرنيقية ) . قدم كوبرنيقوس افتراضه الفكري والفلسفي الهام لطريقة جديدة في معالجة النظام الشمسي القديم، حيث ( اطلع في قراءاته الواسعة علي نظرية مراغه وعلي نظرية ارسطارخوس الساموسي ” 310-230″ في العصر السكندري القائلة بمركزية الشمس ، واطلع أيضا علي فكرة مؤداها أن الأرض لعلها ليست ثابتة ولا تتحرك. والتقط كل هذا بحسه العلمي وقدراته الرياضية العالية، وافترض أن الشمس هي مركز الكون، أو مركز الدائرة الخارجية للنجوم الثابتة ، وان الكواكب تدور حول الشمس في مدارات دائرية ) . لقد اعتقد في ثبات الشمس ودوران الكواكب حولها في مدارات دائرية ، بينما تدور الأرض حول نفسها في الوقت الذي تدور فيه حول الشمس , مخالفاً بذلك التصورات السائدة في نظرية بطليموس , إذ أمكن له ( أن يفسر , ليس حركة الشمس اليومية , بل أيضا الحركات الاهتزازية الظاهرية للكواكب وأسباب الفصول والمواسم السنوية ) . واستطاع أن يضخ في الحياة العلمية روح جديدة تحاول أن تنزل الأرض من عرش دام لها طويلا . ولكن ( علي الرغم من كل هذه التضمنات الثورية، كانت نظرية كوبرنيقوس مجرد نظرية هندسية , تفتقر إلي الأدلة التجريبية ) ذلك لأن التأمل الفلسفي الكوبرنيقي ظل خالياً من البعد الرياضي الكمي , فالتصور الذي قدمه كوبرنيقوس وضمّنه في كتابه ” دوران الكرات السماوية Revolution Orbium Coelestium” لم يلق ترحيباً من الكنيسة ، فهاجمته وكفرت أفكاره ، تلك التي قذف بها في ماء راكد ، فتفجرت ثورة عارمة بين مؤيدين ومعارضين ، مما مهد لإحداث تحول مفاهيمي هام في نظرة الإنسان للعالم المحيط به أدي إلي ثورة حقيقية في منظومة القيم الإنسانية وأثرت بشكل فعال وحيوي في علاقة الإنسان بالطبيعة . ويري توماس كون أن الثورة الكوبرنيقية ( كانت ثورة في الأفكار وترجمة لتصور الإنسان عن الكون وعلاقته به . إن نقطة التحول في التطور الفكري للإنسان الغربي في هذا العصر يتطلب الوضع في الاعتبار ثلاثة معاني أساسية ، منذ ظهورها . الأول : إعادة تشكيل التصورات الأساسية لعلم الفلك ، والثاني : تغيير في فهم الإنسان للطبيعة … والثالث : أنها جزء من التحول في معني القيم لدي الإنسان الغربي ) . بما انعكس علي خليفته كبلر الذي استفاد من أفكار تيكوبراهي وتحويله لمسار الفكر العلمي بصورة جعلت من العودة إلي التفكير البطلمي / الارسطي شبه مستحيلة