محمد قادوس

حالة من الجدل والترقب سيطرت على الأوساط السياسية فى المملكة العربية السعودية، إثر إصدار العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، أمرا ملكيا يقضى بإعفاء الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز من منصبه كرئيس لجهاز لاستخبارات العامة.

ولم يشفع تذيل قرار إعفاء الأمير بندر -بعد أقل من عامين من تولي المنصب- بعبارة «بناء على طلبه»، واعتبر إليوت إبرامز – المحلل السياسي الأمريكي- أن الأمر الملكى الذى أصدره الملك عبد الله بالإطاحة بـ«رجل المهمات الصعبة»، يثير العديد من علامات الاستفهام حول الأسباب الحقيقية لإبعاد الرجل القوى من المشهد السياسى، على خلاف العادة في المملكة ببقاء رئيس جهاز الاستخبارات في منصبه لسنوات عدة.

وتضمن الأمر الملكي تعيين الفريق أول ركن يوسف بن علي الإدريسي –نائب رئيس جهاز الاستخبارات السعودية- بالقيام بعمل رئيس الاستخبارات العامة، دون إعطاء مزيد من التفاصيل.

وكان الأمير بندر قد تولى منصب رئيس جهاز الاستخبارات السعودية فى منتصف يوليو 2012، وسط ظروف إقليمية بالغة التعقيد مع تصاعد ثورات الربيع العربي وسقوط العديد من الحكومات الراسخة، واشتعال الصراع المسلح فى سوريا، وهو الملف الذى أُوكل له بشكل عاجل.

وأوضحت تقارير إعلامية أن سبب إعفاء «رجل المهمات الصعبة» لا يخرج عن أحد أمرين أو ربما كليهما معا، وهما المرض والملف السوري، وهو الأمر الذى ترجحه التقارير الطبية التى انتشرت مؤخرا حول مرض الأمير بندر، خاصة وأن الإعلام السعودي لم يغط له أي نشاطات رسمية منذ نهاية العام الماضي.

وأشارت التقارير إلى أن الأمير بندر يمضي حاليا فترة نقاهة واستشفاء في قصره بمدينة مراكش المغربية، بعدما أجرى عملية جراحية ناجحة أجراها في الولايات المتحدة.

وكان دبلوماسيون سعوديون قد أكدوا في فبراير الماضي أنه تم سحب الملف السوري من الأمير بندر، بسبب غضب الإدارة الأمريكية من طريقته فى التعامل مع الملف، إلا أن قرار الإعفاء صدر بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الرياض، ولقاءه بالعاهل السعودي في مارس الماضي ليتسلمه الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية.

ومن المنتظر أن تكشف الأيام القليلة القادمة بشكل حاسم سبب إعفاء “الرجل القوى” من منصبه، ورجح المراقبون أن يتم إعفاء الأمير أيضا من منصبه كأمين عام للمجلس الوطني، وهو المجلس المسئول عن وضع سياسات الدفاع بالمملكة، والذي احتفظ به بجانب منصبه كرئيس للاستخبارات العامة، فى حال كان المرض هو سبب الإطاحة به من منصبه.

ويفرض النظام السعودى حالة من التكتم على الحالة الصحية للأمير بندر، وما إذا كانت تعوقه عن أداء مهام عمله أم لا، كما التزمت الصمت حيال التقارير الغربية التى تكهنت بأسباب الإطاحة به وتدهور حالته الصحية دون التعقيب بالنفى أو التأكيد.

ويملك الأمير بندر «65 عاما» خبرة عسكرية واسعة، حيث تخرج من الكلية الملكية للقوات الجوية في بريطانيا، وانضم إلى سلاح الجو السعودي 1968 طيارا مقاتلا لمدة 17 عاما، كما حصل على شهادة الماجستير من جامعة جونز هوبكنز بواشنطن 1980.

وخطا «رجل المهمات الصعبة» أولى خطواته نحو الأضواء فى اعقاب توليه منصب سفير المملكة في واشنطن عام 1983 وهو المنصب الذي استمر به حتى عام 2005، ليمثل حلقة وصل بالغة الأهمية بين الإدارة الأمريكية وبلاده فى فترة بالغة الدقة شهدت حرب الخليج الثانية بعد غزو العراق للكويت، وهجمات 11 سبتمبر 2001، وحرب العراق.

ونجح الأمير بن سلطان فى إدارة العلاقات السعودية الأمريكية خلال توليه منصب سفير بلاده في واشنطن، خاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وما تلاها من انتقادات وجهتها أوساط إعلامية وسياسية أمريكية للسعودية، بعد أن تبين أن معظم منفذي تلك الهجمات يحملون الجنسية السعودية.

ليصبح بعدها «الأمير القوى» عميداً للسلك الدبلوماسي في واشنطن، حيث كان السفير الوحيد الذي تخصص له حراسة دائمة من الحرس الرئاسي الأمريكي، فضلا عن دوره اللافت في التأثير على حكومة بلاده من أجل استعمال القوات الأمريكية للأراضي السعودية في حرب تحرير الكويت، والتوسط بين ليبيا وبريطانيا والولايات المتحدة لحل أزمة لوكيربي أواخر ثمانينيات القرن الماضي.

وعين الأمير بندر بقرار ملكي فى 16 أكتوبر 2005 بمنصب الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي برتبة وزير، بعد استقالته من منصب سفير السعودية في الولايات المتحدة «لأسباب خاصة»، وتم التمديد له في المنصب 2009 بأمر ملكي آخر لمدة أربع سنوات، ولم يتم الإعلان حتى الآن عن التمديد له أو إعفائه من منصبه.