التحليل البلاغي لقصيدة قم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التبجيلا

التحليل البلاغي لقصيدة قم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التبجيلا شمل عدد من الاستعارات المكنية لكنها ليست بالكثيرة، حيث إن الشاعر لم يلجأ في قصيدته إلى الغموض، بل جاء بالألفاظ واضحة سهلة يصل معناها إلى قارئها، وفي الواقع العربي يسعنا أن نوافيكم بما تحويه تلك القصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي من معانٍ وصور بلاغية.

التحليل البلاغي لقصيدة قم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التبجيلا

قدم لنا أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة عن فضل العلم كانت من أشهر قصائده على الإطلاق، تحث على ضرورة تعظيم المعلم نظير جهده المبذول في إنارة العقول وجعلها بعيدة عن ظلمات الجهل وضيق الأفق، شملت القصيدة مجموعة من الصور البيانية، وما إن اطلعت على أبياتها تتطرق إلى تلك الصور بسهولة، كما جاءت على النحو التالي:

  • بدأ الشاعر قصيدته بتشبيه ضمني، وهو أن مهنة التعليم رسالة سماوية، فالمشبه هو المعلم والمشبه به الأنبياء.
  • استخدم الشاعر الاستعارة في تشبيهه العلم بالبناء، وقد حذف المشبه به واتى على لوازمه.
  • كما استخدم أسلوب المجاز في بعض الأبيات.
  • استخدم الاستعارة التصريحية في غير موضع لاسيما في البيت الرابع.
  • اتضح في شعره استخدام الكناية، مثل قول: “ابن البتول”، فهي كناية عن المسيح عيسى عليه السلام.
  • تشبيه الشاعر للعقل بأنه شيء مادي من الممكن أن يدخل ويخرج منه المرء.
  • كما شبه الدنيا بالإنسان القوي الذي يصيح ويصرع.
  • الحقيقة جاءت في تشبيه الشاعر بالعلقم ذو الطعم المر.

استكمالًا للتحليل البلاغي لقصيدة قم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التبجيلا نذكر الغرض من الأمر في مطلع القصيدة فكأن أحمد شوقي اعتاد على الأمر فلم يستخدم حتى المضارع المسبوق بلام الأمر للتخفيف من حدته، بل أمر مباشر وهو “قف”، وربما جاء الأمر على هذا النحو حتى يعي المخاطب مدى أهميته، وهي التي تقترن بأهمية العلم والتعلم.

اقرأ أيضًا: شرح قصيدة حسان بن ثابت في مدح الرسول

قصيدة قم للمعلم وفه التبجيلا

بعد أن قدمنا ما ذُكر في التحليل البلاغي لقصيدة قم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التبجيلا.. نشير إلى أبيات القصيدة كاملة، حيث يقول أمير الشعراء أحمد شوقي مادحًا المعلم:

قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا

كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا

أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي

يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا

سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ

عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى

أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ

وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا

وَطَبَعتَهُ بِيَدِ المُعَلِّمِ تارَةً

صَدِئَ الحَديدُ وَتارَةً مَصقولا

أَرسَلتَ بِالتَوراةِ موسى مُرشِداً

وَاِبنَ البَتولِ فَعَلِّمِ الإِنجيلا

وَفَجَرتَ يَنبوعَ البَيانِ مُحَمَّداً

فَسَقى الحَديثَ وَناوَلَ التَنزيلا

عَلَّمتَ يوناناً وَمِصرَ فَزالَتا

عَن كُلِّ شَمسٍ ما تُريدُ أُفولا

وَاليَومَ أَصبَحَتا بِحالِ طُفولَةٍ

في العِلمِ تَلتَمِسانِهِ تَطفيلا

مِن مَشرِقِ الأَرضِ الشَموسُ تَظاهَرَت

ما بالُ مَغرِبِها عَلَيهِ أُديلا

يا أَرضُ مُذ فَقَدَ المُعَلِّمُ نَفسَهُ

بَينَ الشُموسِ وَبَينَ شَرقِكِ حيلا

ذَهَبَ الَّذينَ حَمَوا حَقيقَةَ عِلمِهِم

وَاِستَعذَبوا فيها العَذابَ وَبيلا

في عالَمٍ صَحِبَ الحَياةَ مُقَيَّداً

بِالفَردِ مَخزوماً بِهِ مَغلولا

صَرَعَتهُ دُنيا المُستَبِدِّ كَما هَوَت

مِن ضَربَةِ الشَمسِ الرُؤوسُ ذُهولا

سُقراطُ أَعطى الكَأسَ وَهيَ مَنِيَّةٌ

شَفَتَي مُحِبٍّ يَشتَهي التَقبيلا

عَرَضوا الحَياةَ عَلَيهِ وَهيَ غَباوَةٌ

فَأَبى وَآثَرَ أَن يَموتَ نَبيلا

إِنَّ الشَجاعَةَ في القُلوبِ كَثيرَةٌ

وَوَجَدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا

إِنَّ الَّذي خَلَقَ الحَقيقَةَ عَلقَماً

لَم يُخلِ مِن أَهلِ الحَقيقَةِ جيلا

وَلَرُبَّما قَتَلَ الغَرامُ رِجالَها

قُتِلَ الغَرامُ كَمِ اِستَباحَ قَتيلا

أَوَكُلُّ مَن حامى عَنِ الحَقِّ اِقتَنى

عِندَ السَوادِ ضَغائِناً وَذُحولا

لَو كُنتُ أَعتَقِدُ الصَليبَ وَخَطبُهُ

لَأَقَمتُ مِن صَلبِ المَسيحِ دَليلا

أَمُعَلِّمي الوادي وَساسَةَ نَشئِهِ

وَالطابِعينَ شَبابَهُ المَأمولا

وَالحامِلينَ إِذا دُعوا لِيُعَلِّموا

عِبءَ الأَمانَةِ فادِحاً مَسؤولا

كانَت لَنا قَدَمٌ إِلَيهِ خَفيفَةٌ

وَرِمَت بِدَنلوبٍ فَكانَ الفيلا

حَتّى رَأَينا مِصرَ تَخطو إِصبَعاً

في العِلمِ إِن مَشَتِ المَمالِكُ ميلا

تِلكَ الكُفورُ وَحَشوُها أُمِّيَّةٌ

مِن عَهدِ خوفو لا تَرَ القِنديلا

تَجِدُ الَّذينَ بَنى المِسَلَّةَ جَدُّهُم

لا يُحسِنونَ لِإِبرَةٍ تَشكيلا

وَيُدَلَّلونَ إِذا أُريدَ قِيادُهُم

كَالبُهمِ تَأنَسُ إِذ تَرى التَدليلا

يَتلو الرِجالُ عَلَيهُمُ شَهَواتِهِم

فَالناجِحونَ أَلَدُّهُم تَرتيلا

الجَهلُ لا تَحيا عَلَيهِ جَماعَةٌ

كَيفَ الحَياةُ عَلى يَدَي عِزريلا

وَاللَهِ لَولا أَلسُنٌ وَقَرائِحٌ

دارَت عَلى فِطَنِ الشَبابِ شَمولا

وَتَعَهَّدَت مِن أَربَعينَ نُفوسَهُم

تَغزو القُنوطَ وَتَغرِسُ التَأميلا

عَرَفَت مَواضِعَ جَدبِهِم فَتَتابَعَت

كَالعَينِ فَيضاً وَالغَمامِ مَسيلا

تُسدي الجَميلَ إِلى البِلادِ وَتَستَحي

مِن أَن تُكافَأَ بِالثَناءِ جَميلا

ما كانَ دَنلوبٌ وَلا تَعليمُهُ

عِندَ الشَدائِدِ يُغنِيانِ فَتيلا

رَبّوا عَلى الإِنصافِ فِتيانَ الحِمى

تَجِدوهُمُ كَهفَ الحُقوقِ كُهولا

فَهوَ الَّذي يَبني الطِباعَ قَويمَةً

وَهوَ الَّذي يَبني النُفوسَ عُدولا

وَيُقيمُ مَنطِقَ كُلِّ أَعوَجِ مَنطِقٍ

وَيُريهِ رَأياً في الأُمورِ أَصيلا

وَإِذا المُعَلِّمُ لَم يَكُن عَدلاً مَشى

روحُ العَدالَةِ في الشَبابِ ضَئيلا

وَإِذا المُعَلِّمُ ساءَ لَحظَ بَصيرَةٍ

جاءَت عَلى يَدِهِ البَصائِرُ حولا

وَإِذا أَتى الإِرشادُ مِن سَبَبِ الهَوى

وَمِنَ الغُرورِ فَسَمِّهِ التَضليلا

وَإِذا أُصيبَ القَومُ في أَخلاقِهِم

فَأَقِم عَلَيهِم مَأتَماً وَعَويلا

إِنّي لَأَعذُرُكُم وَأَحسَبُ عِبئَكُم

مِن بَينِ أَعباءِ الرِجالِ ثَقيلا

وَجَدَ المُساعِدَ غَيرُكُم وَحُرِمتُمُ

في مِصرَ عَونَ الأُمَّهاتِ جَليلا

وَإِذا النِساءُ نَشَأنَ في أُمِّيَّةً

رَضَعَ الرِجالُ جَهالَةً وَخُمولا

لَيسَ اليَتيمُ مَنِ اِنتَهى أَبَواهُ مِن

هَمِّ الحَياةِ وَخَلَّفاهُ ذَليلا

فَأَصابَ بِالدُنيا الحَكيمَةِ مِنهُما

وَبِحُسنِ تَربِيَةِ الزَمانِ بَديلا

إِنَّ اليَتيمَ هُوَ الَّذي تَلقى لَهُ

أُمّاً تَخَلَّت أَو أَباً مَشغولا

مِصرٌ إِذا ما راجَعَت أَيّامَها

لَم تَلقَ لِلسَبتِ العَظيمِ مَثيلا

البَرلَمانُ غَداً يُمَدُّ رُواقُهُ

ظِلّاً عَلى الوادي السَعيدِ ظَليلا

نَرجو إِذا التَعليمُ حَرَّكَ شَجوَهُ

أَلّا يَكونَ عَلى البِلادِ بَخيلا

قُل لِلشَبابِ اليَومَ بورِكَ غَرسُكُم

دَنَتِ القُطوفُ وَذُلِّلَت تَذليلا

حَيّوا مِنَ الشُهَداءِ كُلَّ مُغَيَّبٍ

وَضَعوا عَلى أَحجارِهِ إِكليلا

لِيَكونَ حَظُّ الحَيِّ مِن شُكرانِكُم

جَمّاً وَحَظُّ المَيتِ مِنهُ جَزيلا

لا يَلمَسُ الدُستورُ فيكُم روحَهُ

حَتّى يَرى جُندِيَّهُ المَجهولا

ناشَدتُكُم تِلكَ الدِماءَ زَكِيَّةً

لا تَبعَثوا لِلبَرلَمانِ جَهولا

فَليَسأَلَنَّ عَنِ الأَرائِكِ سائِلٌ

أَحَمَلنَ فَضلاً أَم حَمَلنَ فُضولا

إِن أَنتَ أَطلَعتَ المُمَثِّلَ ناقِصاً

لَم تَلقَ عِندَ كَمالِهِ التَمثيلا

فَاِدعوا لَها أَهلَ الأَمانَةِ وَاِجعَلوا

لِأولى البَصائِرِ مِنهُمُ التَفضيلا

إِنَّ المُقَصِّرَ قَد يَحولُ وَلَن تَرى

لِجَهالَةِ الطَبعِ الغَبِيِّ مُحيلا

فَلَرُبَّ قَولٍ في الرِجالِ سَمِعتُمُ

ثُمَّ اِنقَضى فَكَأَنَّهُ ما قيلا

وَلَكَم نَصَرتُم بِالكَرامَةِ وَالهَوى

مَن كانَ عِندَكُمُ هُوَ المَخذولا

كَرَمٌ وَصَفحٌ في الشَبابِ وَطالَما

كَرُمَ الشَبابُ شَمائِلاً وَمُيولا

قوموا اِجمَعوا شَعبَ الأُبُوَّةِ وَاِرفَعوا

صَوتَ الشَبابِ مُحَبَّباً مَقبولا

ما أَبعَدَ الغاياتِ إِلّا أَنَّني

أَجِدُ الثَباتَ لَكُم بِهِنَّ كَفيلا

فَكِلوا إِلى اللَهِ النَجاحَ وَثابِروا

فَاللَهُ خَيرٌ كافِلاً وَوَكيلا

اقرأ أيضًا: شرح قصيدة كبار الحوادث في وادي النيل

شرح قصيدة قف للمعلم وفه التبجيلا

بكلمات قليلة من أحمد شوقي استطاع أن يوجز ما كُتب في مقالات طويلة عن قيمة المعلم ودوره في تربية النشء وتعليمهم، فلم يقتصر دور المعلم على التعليم فحسب، ولا تكمن أهميته فيما يُقال في المناهج.

إنما يتجاوز ذلك ليكون دوره الأسمى والأكثر تأثيرًا في حياة الطلاب منذ مراحل دراسية مبكرة إلى أن يتخطون المرحلة التعليمية كاملة، ولم لا وهو من يغرس في نفوس طلابه القيم المحمودة التي تجعلهم يهتدون إلى فطرتهم السوية.

فقد اتضح من التحليل البلاغي لقصيدة قم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التبجيلا أنه لا مجال لحصر المعلم في تربية العقل وتنشئته، إنما يربي نفوس الأجيال ويقوّمها وأحيانًا ما يُروضها، فهو جليل في مهنته، شريف بها.. ومهنة التعليم كانت ولا زالت من المهن السامية لأنها مرتبطة بالغرض الإلهي من الخلق.

فتعمير الأرض يأتي بالعلم والعمل، كما أن الله سبحانه وتعالى هو من علم آدم الأسماء كلها وهو من أوحى بعلمه نورًا إلى أشرف الخلق مُحمد صلى الله عليه وسلم، ولله المثل الأعلى.

فالمعلم يُخرج أبنائه من ظلمات الجهل إلى النور، كما أن الشاعر لم يقف عند حد الحديث عن المعلم، بل استطاع أن يشبه مهنته السامية بما كان يفعله الأنبياء، فقد استرشد موسى بالتوراة، وعيسى بالإنجيل، ومحمد –صلى الله عليه وسلم- بالقرآن، ومنه علم العالمين جميعًا مكارم الأخلاق والعلم النافع.

كما ذكر أحمد شوقي في قصيدته الأخلاق الحسنة التي يجب أن يتصف بها المرء ويضرب مثالًا على الفيلسوف الأول سقراط وهو أب الحكمة، كما تناول في أبياته الحديث عن الحقيقة المطلقة التي يملكها المعلم وهي أزلية الفهم والعلم.

على الجانب الآخر من قصيدته تحدث عن نقيض العلم وهو الجهل، وأيضًا لم يخلُ حديثه عن العدل وأن المعلم المنصف لا يسيء إلى طلابه أو يتطاول عليهم.. كما لا يطلب مقابلًا عن علمه، ولا يبخل عليهم بأي علم.. ويختتم أن المعلم الذي يزرع خيرًا لا يحصد إلا خيرًا.

إن صادف أحدهم معلمًا فاضلًا تتلمذ على يده، واغترف من أنهار علمه الكثير، فإنه قد حالفه الحظ في دنياه، وعليه أن يُبجل ويحترم المعلم طالما كان حيًّا إشادة بفضله وعطائه.